على أديمٍ خطّت عليه الحضارة أروع الحكايا، وفي وطنٍ كان شاهداً على ميلاد الإنسانية الأولى، وقف الشعب السوري في وجه الطغيان، منتفضاً مثل بركانٍ جارف، يبحث عن فجوةٍ بين الظلام ليلمح خيوط الحرية. سوريا، ذلك القلب النابض في خاصرة الشرق، أبى شعبها أن يركع أمام جلادٍ صنع من الظلم عرشاً، ومن الدم تاجاً، ومن الدمار أداةً لحكمٍ آثم.
تجرّع السوريون الألم كأساً بعد كأس، وكأنّ السماء اختبرت صبرهم بأقسى الابتلاءات. كانت المنازل تتحول إلى ركامٍ تحت وقع الصواريخ، والأزقة تعج بأشباح الموت، والسجون تبتلع أحلام الشباب، ولكن رغم سواد المشهد، كان هناك أمل يتسلل بين أضلعهم، يتنفس في أرواحهم كأنفاس الفجر الأولى. أمهاتٌ ودّعن أبناءهن على عتبات الثورة، وآباءٌ رفعوا أكفهم إلى السماء يدعون بالنصر وهم يكتمون دمعات الخوف. شعبٌ بأسره قرر أن يصرخ في وجه الظلم، أن ينزع عن كتفيه عباءة الذل، وأن يُعيد لسوريا مجدها المسلوب.
بشار الأسد، الطاغية الذي جثا على صدر سوريا ككابوسٍ ثقيل، ظنّ أن الحكم إرثٌ عائلي، وأن الشعب سيبقى خاضعاً لعصاه الغليظة. لكنه نسي أن إرادة الشعوب كالنهر، لا توقفه السدود، وإن تأخر زمن الفيضان، فإن اندفاعه يكون أكثر عنفواناً. لم يكن سقوطه مجرد انهيار عرشٍ صنع من الجماجم، بل كان سقوطاً مدوياً لمنظومةٍ بنيت على القمع، وكشفاً للمآسي التي ظلّت تُحاك في الظلام.
وهنا لعبت المملكة العربية السعودية، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، دوراً محورياً في دعم الشعب السوري لتحقيق حريته وكرامته. فمنذ اندلاع الثورة السورية، قدمت السعودية الدعم السياسي والإنساني للشعب السوري، حيث كانت من أبرز الدول التي أدانت النظام السوري في المحافل الدولية، وسعت إلى فضح جرائمه أمام العالم.
وعلى الصعيد الإنساني، ساهمت المملكة في تقديم المساعدات الإغاثية التي شملت الغذاء والدواء والمأوى للملايين من اللاجئين السوريين داخل سوريا وخارجها. كما أنشأت مشاريع لدعم النازحين في المخيمات، مقدمةً صورة حقيقية للتضامن الإسلامي والإنساني.
أما الأمير محمد بن سلمان، فقد أعطى أولوية كبيرة للقضية السورية ضمن رؤية المملكة الإقليمية. بفضل دبلوماسيته القوية ونهجه الحازم، سعى إلى توحيد الصفوف الدولية للتضامن مع الشعب السوري، داعياً إلى حل سياسي يضمن للأشقاء مستقبلاً مشرقاً بعيداً عن القمع والاستبداد.
وكانت فرحة السعوديين امتداداً لفرحة أشقائهم السوريين. ففي كل بيت سعودي، كانت مظاهر الاحتفال تعكس شعوراً عميقاً بالأخوة الصادقة، حيث علت الدعوات، ورفعت الأعلام السورية إلى جانب أعلام المملكة، في إشارة إلى المصير المشترك.
وفي لحظة سقوط الطاغية، علت أصوات التهليل والتكبير من البيوت والشوارع، ليس فقط في سوريا، بل أيضاً في المدن السعودية التي احتضنت السوريين كمقيمين وضيوف كرام. احتفل السعوديون مع أشقائهم السوريين، معبرين عن أملهم بمستقبل أفضل لسوريا، وكأن الأفراح توحدت لتصبح عيداً عربياً خالصاً.
حينما تهاوى النظام، كانت لحظةَ لقاءٍ بين الحلم والحقيقة، بين دموع الفرح ودماء الشهداء، بين صرخات الانتصار وهمسات الأمل. لم تكن فرحة الانتصار فقط في إسقاط الطاغية، بل في استعادة الشعب لذاته، في تحرره من أغلال الخوف، وفي رفع صوته الذي ظل مكتوماً لعقود.
لكنّ النصر لم يكن خاتمة الحكاية، بل بدايتها. تحرير سوريا هو خطوة أولى في طريقٍ طويل نحو بناء وطنٍ يتسع للجميع، وطنٍ يُرفع فيه الظلم وتُعاد فيه الكرامة المسلوبة. على السوريين أن يمسحوا جراح الماضي، وأن ينهضوا كطائر الفينيق من بين الرماد، يصنعون من الألم قوة، ومن الدمار نهضة، ومن اليأس أملاً.
لقد أثبت الدعم السعودي بقيادة الأمير محمد بن سلمان أن القضايا العربية ليست مجرد عناوين إعلامية، بل مسؤوليات أخوية تتطلب مواقف حازمة ومساعدة دؤوبة.
سوريا اليوم ليست كما كانت بالأمس. هي عنوانٌ للصمود، ورمزٌ للحرية، وحكاية شعبٍ كُتبت بالدموع والدماء. لقد علّمتنا هذه الثورة أن الطغيان، مهما تجبّر، مصيره الزوال، وأن الشعوب، مهما أثقلتها القيود، ستنهض، طالما نبض في صدورها قلبٌ يرفض الظلم.
سوريا الحرة ستظل شاهدةً على أن الحق يُسترد، وأن الكرامة تُصان، وأن الشمس مهما غابت خلف السحاب، لا بد أن تشرق، لتكتب قصيدة الأمل على جبين هذا الوطن الجريح، وتُعلن للعالم أن فجر الحرية قد بزغ، وأن سوريا قد استعادت مكانها في قلوب أبنائها وبين الأمم، كنجمةٍ تُضيء دروب الكرامة.
موضوع شيق ومفيد…العنوان يوازي الف كتاب
كلام رائع
رائعة بمعنى الكلمة
مقال جميل سلمت يداك