عام

فاطمة اليوسف… المرأة الحديدية!!

في تاريخ الصحافة المصرية الكثير من الرواد الكبار الذين هاجروا من بلدانهم إلى مصر، واستطاعوا أن يصنعوا أمجاداً في تاريخ الصحافة المصرية، من أشهر هؤلاء اللبنانية السيدة “فاطمة اليوسف”، والشهيرة باسم “روز اليوسف”.
ولدت يتيمة الأم في بيروت من أسرة مسلمة، تركها والدها عقب ولادتها عند أسرة مسيحية قامت بتربيتها، انقطعت أخبار الأب، وفي طريق هجرة الأسرة إلى أمريكا، رست السفينة في الإسكندرية، لتقود الصدفة الطفلة “روز اليوسف” للتعرف على المخرج المسرحي “إسكندر فرج” الذي قام بتعليمها التمثيل، وبدأت طريقا في دنيا الفن بعد تعرفها على “عزيز عيد”، أدت أدوار على المسرح وعملت مع “جورج أبيض” و”أمين الريحاني” و “طلعت حرب”، ثم مع “يوسف وهبي” وأصبحت بطلة “فرقة رمسيس”، وقامت بدور البطولة في مسرحية “غادة الكاميليا”؛ مما جعل النقاد يكتبون أنها قدمت الدور بأداء متميز تفوقت فيه على الممثلة البريطانية “سارة برنارد”، لهذا أطلق عليها اسم “سارة برنارد الشرق”.

أما المشوار الصحفي للسيدة “روز اليوسف” فقد بدأ بعد تركها فرقة “رمسيس” إثر خلاف مع “يوسف وهبي”، ثم انتقالها إلى فرقة “نجيب الريحاني” التي لم تجد فيها ما تحلم به، وقامت بعدها بالانتقال إلى الصحافة، فأصدرت في أكتوبر 1925م، مجلة تحمل اسمها “روز اليوسف”، وقدمت اسهامات متميزة في حركة الأدب والشعر والثقافة المصرية، كما قامت بإصدار مجلة “صباح الخير” التي أضحت رمزاً للعقول المتحررة، أنطلق منها الكثير من الصحافيين والكتاب أمثال “عبدالرحمن الشرقاوي” و”فتحي غانم” و”مصطفى محمود” وغيرهم.
ويقال إنها طلبت استكتاب الأديب “عباس العقاد”، لكنه رفض أن يعمل معها بحجة أنها امرأة، فردت عليه قائلة:” لو لم أكن امرأة لوددت أن أكون امرأة”.
أهم ما في حياتها عملها يقول عنها ابنها الأديب “إحسان عبد القدوس”:” لا أدري كيف استطاعت أن تحملني تسعة أشهر وهي واقفة على خشبة المسرح، تعتصر الفن من دمها وأعصابها لتكون يومها أعظم ممثلة في الشرق، هي التي دخلت مجال الصحافة وفي يديها خمس جنيهات، وأنشأت مجلة تحمل اسماً أجنبياً، فاستطاعت أن تجعل من هذا الاسم علماً تحته أعظم الكتاب، وأنضج الأراء”.
تزوجت “روز اليوسف” ثلاث مرات الأولى من المهندس “محمد عبد القدوس” عام 1917م، لكنه طلقها بعد عامين، في الوقت التي كانت فيه حاملا بابنها “إحسان عبد القدوس”، الزيجة الثانية كانت من المخرج “زكي طليمات”، ورزقا بابنتهما “أمال”، والثالثة كانت من نصيب “قاسم أمين”، وهو حفيد المفكر والكاتب “قاسم أمين” والمعروف بكونه نصيرا للمرأة.
إنها المرأة الحديدية؛ لا تحمل أي شهادات مدرسية أو مؤهلات تعليمية، ومع ذلك أخرجت من مدرستها جيلاً من كبار الكتاب والسياسيين والصحفيين، وخلدت اسمها بين كبار الصحفيين والكتاب في مصر والوطن العربي، وصدقت حين قالت ذات يوم:” كلنا سنموت، ولكن هناك فرق بين شخص يموت وينتهي، وشخص مثلي يموت ولكن يظل حياً بسيرته وتاريخه”.

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى