يصادف العاشر من ديسمبر من كل عام اليوم العالمي لحقوق الإنسان والذي يأتي إحياءً لذكرى اليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948. وتحت شعار “حقوقنا، مستقبلنا، فورًا” يحتفل المجتمع الدولي هذا العام بالذكرى السادسة والسبعين لصدور هذا الإعلان، للتوعية بأهمية حقوق الإنسان والتأكيد على أنّها السبيل إلى الحلول حيث أنّها تؤدّي دورًا حاسمًا وتشكّل قوّةً وقائيةً وحمائيةً وتحويليةً من أجل الخير والسلام، لا سيما في أوقات الأزمات. وتشارك المملكة العربية السعودية منظومة دول العالم في الإحتفاء باليوم العالمي لحقوق الإنسان وبما حقّقته من إنجازات رائدة في هذا المجال من خلال جهودها التنموية والإنسانية ومن خلال سياساتها الراسخة والرامية إلى نشر السلام والإستقرار لمختلف شعوب العالم والتي أسهمت في إرتقاء المملكة في التصنيفات والمؤشرات العالمية لحقوق الإنسان. وفي هذا الإطار يأتي هذا المقال ليبرز جهود المملكة الوطنية والإقليمية والدولية في حماية وتعزيز حقوق الإنسان.
فقد أولت المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها إهتماماً بالغاً بحقوق الإنسان وحرصت على ترسيخ مكانة الإنسان وحفظ كرامته واتخاذ كافة التدابير التي تكفل حماية حقوقه وتعزيزها، إيماناً منها بأنّ الإنسان عنصر من عناصر قوة المجتمع وبالكرامة المتأصلة لجميع البشر وحقوقهم الثابتة والمتساوية. وليس أَدَلَّ على ذلك من الكلمات الخالدة للملك عبد العزيز – طيب الله ثراه – التي جاء فيها:” لا كبير عندي إلاّ الضعيف، حتى آخذ الحق له، ولا ضعيف عندي إلاّ الظالم، حتى آخذ الحق منه، وليس عندي في إقامة حقوق الله هوادة ولا يقبل فيها شفاعة.” ثم أكمل أبناؤه المسيرة من بعده على هذا النهج القويم، وصولاً إلى العهد المزدهر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظهما الله- حيث تعاظم الإهتمام بحقوق الإنسان من خلال القضاء على كافة أشكال التفرقة والتمييز وتحقيق المساواة والعدالة، والجهود التنموية والإنسانية والسياسات الراسخة والرامية إلى نشر السلام والإستقرار لمختلف شعوب العالم. وهو ما يتجلى في الكلمة الشهيرة لخادم الحرمين الشريفين التي تؤكد أنّ المملكة راعية لحقوق الإنسان فعلاً لا قولاً، وأنّها نموذجًا للعالم أجمع، حيث جاء فيها: “إن أنظمة الدولة تتكامل في صيانة الحقوق، وتحقيق العدل، وكفالة حرية التعبير، والتصدي لأسباب التفرقة ودواعيها، وعدم التمييز، فلا فرق بين مواطنِ وآخر، ولا بين منطقة وأخرى، فأبناء الوطن متساوون في الحقوق والواجبات.” وإلتزاما منها بالمبادئ والقيم الدينية والأخلاقية السامية النابعة من الشريعة الإسلامية وبمبادئ القانون الدولي وخاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وبإعتبارها من مؤسسي منظمة الأمم المتحدة، قامت المملكة بجهود عظيمة في حماية حقوق الإنسان. وفي هذا الإطار تأتي هذه المقالة لتستعرض أبرز الجهود والإنجازات التي حققتها المملكة في حماية وترسيخ حقوق الإنسان محلياً وإقليمياً ودولياً.
وتمتلك السعودية العظمى سجلاً متميّزا حافلاً بالشواهد والمنجزات في حماية حقوق الإنسان حيث تشمل أنظمة المملكة نصوصاً صريحة تهدف إلى حماية حقوق الإنسان وعلى رأسها النظام الأساسي للحكم، الذي نص في المادة 8 على أن “يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية على أساس العدل، والشورى، والمساواة، وفق الشريعة الإسلامية”، ونصت المادة 26 على أن: “تحمي الدولة حقوق الإنسان، وفقاً للشريعة الإسلامية.” كما خُصِّصت عشرين مادة من النظام الأساسـي لمـسائل تتعلق بحقوق الإنسان، ومن ذلك مثلا حريـــة الملكيـــة الخاصـــة وتحـــريم مـــصادرة الأمـــوال (المـــادتين 18و19)، حماية البيئـة (المـادة 32)، الحق في العمل والتعليم (المادتين 28 و30)، الحق في الرعايــة الــصحية (المــادة 31)، حريــة المـسكن (المــادة 37) والحـق في التقاضـي (المـادة 46) وغيرها من الحقوق. وتوالت بعد ذلك الأنظمة التي تُعنى بحفظ حقوق الإنسان، مثل نظام القضاء، نظام ديوان المظالم، نظام الإجراءات الجزائية وغيرها من الأنظمة العدلية، أنظمة العمل والصحة والتعليم والتأمينات الاجتماعية، نظام الحماية من الإيذاء، نظام حماية الطفل، نظام رعاية المعوقين، نظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص، أنظمة مكافحة جريمة التحرش والأحداث والجمعيات والمؤسسات الأهلية، بالإضافة إلى تنظيم صندوق النفقة، وتنظيم صندوق الشهداء والمصابين والأسرى والمفقودين وغيرها من الأنظمة التي حققت نقلة نوعية ومثلت سياجاً قوياً لحماية حقوق الإنسان. كما صدرت أيضا أوامر سامية بالموافقة على وضع استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان في المملكة. وفي 2016 تم إطلاق رؤية السعودية 2030، التي يقودها ولي العهد بدعم من خادم الحرمين الشريفين، والتي يندرج تحت كل محور من محاورها الثلاثة (مجتمع حيوي وإقتصاد مزدهر ووطن طموح) عدد من الأهداف ترتبط بحقوق الإنسان ومن ذلك الحق في الأمن والصحة والعمل وحقوق المرأة والطفل وذوي الإعاقة والمسنين والحق في التنمية وتعزيز المشاركة في الحياة السياسية والعامة وتكوين المؤسسات الجمعية والجمعيات الأهلية ودعمها وغيرها من الحقوق الأخرى.
وإستكمالاً لهذه الجهود قامت المملكة بإنشاء العديد من المؤسسات التي تُعنى بحماية ودعم حقوق الإنسان، ومنها خاصة هيئة حقوق الإنسان كجهة حكومية ترتبط مباشرة بالملك، اللجنة الدائمة لمكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص، الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، اللجنة الوطنية للطفولة، مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، هيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة، الهيئة السعودية للملكية الفكرية والهيئة السعودية للمحامين. إلى جانب الهيئات والمؤسسات المعنية بقضايا الحوار ومنها مركز الملك عبد العزيز للتواصل الحضاري، مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات (كايسيد)، وهو ما يثبت عملياً منهج المملكة في تعزيز قيم التعايش والتفاهم والتعاون بين الشعوب وبناء السلام ومكافحة التطرف والإرهاب. وإنفاذاً للإستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية التي أطلقها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- تم في فبراير 2024 إنشاء نيابة الملكية الفكرية لتوفير بيئة متميزة لتنظيم وتطوير الخدمات القضائية في مجالات الملكية الفكرية. وواصلت المملكة إطلاق وتنفيذ خطط ومشاريع وطنية طموحة في مجالات متعددة، غايتها تحقيق الرفاهية والعيش الكريم للمواطنين والمقيمين على أراضيها، وتعزيز حضور المرأة وتمكينها في المجتمع، وحماية حقوق الأطفال وكبار السن وأصحاب الهمم. كما اعتمدت الدولة خلال الفترة الماضية حزمة من التشريعات الجديدة المهمة، كقانون الأحوال الشخصية وقانون المعاملات المدنية، والنظام الجزائي للعقوبات التعزيرية.
وإمتداداً لمكانتها الدولية الرائدة، تلعب المملكة دوراً محورياً وفاعلاً ومؤثراً على الصعيدين الإقليمي والدولي في دعم وتعزيز حقوق الإنسان من خلال إنضمامها إلى العديد من المعاهدات والاتفاقيات الإقليمية والدولية، كإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، الميثاق العربي لحقوق الإنسان، إعلان منظمة العمل الدولية للحقوق الأساسية في العمل، اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، اتفاقية حقوق الطفل وبروتوكوليها الاختياريين، اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والاتفاقية العربية لمكافحة الفساد. وإستجابة لمختلف التحديات العالمية الإنسانية والإقتصادية التي تمر بها الدول، تحرص المملكة على الوقوف إلى جانب المتضررين من الكوارث الطبيعية والأوبئة والحروب والدفاع عن حقوقهم وإغاثتهم وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني وهو ما تأكد مؤخراً في مؤتمر نزع السلاح المنعقد بجنيف في آواخر فبراير 2024 حيث جدّدت المملكة رفضها لإنتهاكات الاحتلال الإسرائيلي وطالبت بضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار على الشعب الفلسطيني وتسهيل إيصال المساعدات إليه، وكذلك اليمن وسوريا والسودان. كما تعمل المملكة على تكثيف تعاونها مع الدول والمجموعات الإقليمية ذات الصلة، لمواجهة التحديات البيئية والتغيرات المناخية وأثرها على حقوق الإنسان، وأطلقت عددًا من المبادرات في هذا الإطار منها مبادرتي السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر، بالإضافة إلى العمل على كيفية الاستفادة من تسخير التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في خدمة حقوق الإنسان. وانطلاقاً من قيمها الراسخة ودورها الريادي وسعيها لإرساء الأمن والسلم الدوليّين، وتعزيز حقوق الإنسان، لم تدخر المملكة جهداً في دعم القضايا الإنسانية، ومن ذلك، استعداد المملكة للوساطة بحل الأزمة الروسية – الأوكرانية ووساطة الأمير محمد بن سلمان في إطلاق سراح العديد من الأسرى. إلى جانب الدعم المادي الكبير الذي تقدمه المملكة لصناديق الأمم المتحدة وبرامجها ومؤسساتها المعنية بحقوق الإنسان.
على هذا الأساس واعترافاً بدورها ومنجزاتها والتزامها الثابت بأعلى المعايير في حماية حقوق الإنسان، فقد تم إنتخاب المملكة لأربعة فترات في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وكذلك انتخابها لمدة أربع سنوات لعضوية لجنة حقوق المرأة التابعة للأمم المتحدة. كما ارتقت المملكة في تصنيف مؤشرات حقوق الإنسان، ومن ضمنها التقدم المُحرز في تصنيف مؤشر مكافحة الاتجار بالأشخاص إلى المستوى الثاني، وتصنيف المملكة كأكثر دولة تقدماً وإصلاحاً بين (190) دولة حول العالم، في مجال تمكين المرأة وحفظ حقوقها.
وختاماً، يجدر التأكيد على أن المملكة سبقت العالم أجمع بتطبيقها لمبادئ حماية حقوق الإنسان. وستبقى المملكة متمسكة بإرثها التاريخي العظيم الذي يجسد كل معاني الإنسانية وقيم العدالة والحق والمساواة. كما ستبقى ملتزمة بتعزيز مبادئ حقوق الإنسان عبر سياساتها الخارجية الداعمة للمبادرات والمنظمات العالمية المعنية بترسيخ الحقوق والحريات وتحقيق التنمية المستدامة. وإننا لنفخر بهذه الإنجازات التي تمثل ترجمة لجهود خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين حفظهما الله، كأقوى وأنجح قيادة وضعت بصمتها ليس على المستوى الوطني فحسب بل أيضاً على الصعيدين الإقليمي والدولي من خلال الدور الريادي والمحوري للمملكة وتأثيرها على الخارطة العالمية مما جعل منها وجهةً مثاليةً لإستضافة قمم عالمية وإقليمية وإحتضان وتنظيم كبرى الأحداث العالمية الإقتصادية مثل معرض إكسبو الدولي 2030 والرياضية مثل كأس العالم 2034.
0