المقالات

الاختلاف سُنّة كونية

يُعتبر الاختلاف جزءاً أساسياً من الحياة الإنسانية حيث يتجلى وجوده في تنوع وتعدد الكثير من الآراء والأفكار والثقافات والتوجهات وهذا الاختلاف الذي من المفترض به أن يكون مصدراً للإبداع والتطور متى ما تم توفير بيئة صحيّة تحتضنه وترعاه نجد أن حال الكثير مخالف لهذا المقصد تماماً.

لذا دعونا أولاً نتعرّف على تعريف الاختلاف كما تنص عليه الويكيبيديا الذي يقول (بتصرف) “أن الاختلاف ليس جزءاً من ثوابت خَلْقْ الإنسان فحسب بل هو سُنَّة كونية وقانون إنساني يعيش في دائرته الجميع ويتفاعلون معه”.

ولهذا فإن وجود الاختلاف حالة طبيعية يعكسها تنوع العوامل الثقافية والدينية والسياسية وتنوع الآراء الشخصية وهذا التنوع يُعزز في حالته الإيجابية الفهم والوعي والتفاعل ويُتيح للأفراد التعلم من بعضهم البعض إلا أن سوء التعامل معه يتسبب في نشوب صراعات وتجاذبات ليس فقط بين المجتمعات بصفة عامة وإنما حتى بين أبناء المجتمع الواحد نفسه، أسهمت هذه التجاذبات والصراعات في تخلف أكثر المنخرطين فيها وأسهمت أيضاً في تراجعهم التنموي والحضاري.

ومن أولى علامات سوء التعامل مع الاختلاف ما يمكن تسميته بالتمييز الذي يظهر في تفضيل مجموعة معينة على حساب أخرى مما يؤدي إلى إنتشار الشعور بالظلم وعدم المساواة.

وثاني علامات سوء التعامل مع الاختلاف العنف والذي يلجأ له البعض نتيجة تغلغل حل النزاعات بالقوة في دواخلهم.

أما ثالث هذه العلامات فيكمن في إنتشار الشعور بكره الآخرين فقط لأنهم يعيشون حياة ذات نمط فكري ومعيشي مختلف الأمر الذي أسهم في إضعاف الروابط الاجتماعية معهم أو بينهم.

وآخر علامة من علامات سوء التعامل مع الاختلاف رفض الأفراد الاستماع إلى آراء الآخرين أو التعلّم منها حتى وصل الحال لدرجة التحريض على بعضهم البعض مما عطّل النمو الشخصي والمجتمعي في بيئة هؤلاء الأضداد.

ومن أبرز تداعيات سوء التعامل مع الإختلاف تفكك المجتمع بسبب تجذّر عوامل الشقاق والانقسام في داخله الأمر الذي أصبح له اليد الطولى في تقرير الحكم على العلاقة مع الآخر وطبيعة تفاعلاتها ما تسبب في إيجاد معوقات فكرية ومادية جعلت محاربة التطور والعجز عن غربلة الحاضر بمختلف صفاته وتوجهاته أمر مرحب به عند الكثير ولا يتم الاعتراض عليه.

بعد هذا السرد السلبي آن لنا معرفة أبرز الاستراتيجيات المتاحة والقادرة على ضبط التعامل مع الاختلاف بشكل موضوعي يُساعد على الاستفادة من إيجابياته وتحييد سلبياته.

أول هذه الاستراتيجيات تعزيز الحوار بين الفرقاء من خلال فتح قنوات جامعة تجعلهم قادرين على المساهمة في بناء آلية يتفقون عليها هدفها الرئيس التركيز على القواسم المشتركة التي تجمعهم والعمل على تعزيزها وتكريسها وهجر تلك التي تحول دون تقاربهم.

وثاني هذه الاستراتيجيات التثقيف الذي يُجسّده نشر الوعي حول أهمية قبول الاختلاف وأهمية العمل على تكريس قيم التسامح والاحترام حتى يمكن لنا تقبل الاختلاف واحتواء أي خلل فكري أو سلوكي يُغذي نبذه ويدعو لضرورة محاربته.

ختاماً يجب أن يترسخ في أذهاننا أن الاختلاف جزء لا يتجزأ من تجاربنا الحياتية كما أسلفت الأمر الذي يوجب علينا اعتباره فرصة للنمو والتطور وليس فرصة للتفرق والتجافي أو فرصة لتعميق هوة البغض المتبادل وهو الذي يمكنه أن يؤدي إلى حدوث مشاكل يصعب حلّها ناهيك عن وأدها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى