المقالات

النقل العام والحج

شهدنا تفاعلًا لافتًا من كافة شرائح المجتمع السعودي، مواطنين ومقيمين، مع بدء تشغيل المترو في العاصمة الرياض، الذي يعد واحدًا من أكبر مشاريع النقل عالميًا. هذا التفاعل الإيجابي يعكس أهمية النقل العام بمختلف أشكاله لجميع أفراد المجتمع، ويشجع على الاستثمار في مشروعات النقل والبنية التحتية ذات الجودة العالية.

الحكومة السعودية أظهرت توجهًا جادًا نحو التوسع في مشاريع النقل العام في جميع المناطق، وخاصة المدن ذات الكثافة السكانية العالية.
وتبرز العاصمة المقدسة كواحدة من المدن الكبرى التي تحتاج إلى تطوير استراتيجيات متكاملة وطويلة الأمد للنقل العام، نظرًا لدورها المحوري في استضافة أعداد هائلة من الحجاج والمعتمرين سنويًا، مع التوجه الحكومي نحو مضاعفة هذه الأعداد في السنوات القادمة.

يعتبر الحرم المكي الشريف نقطة ارتكاز ثابتة في التخطيط الاستراتيجي للنقل، إذ تتطلب سهولة الوصول إليه والمغادرة منه حلولًا مستدامة وليست مؤقتة، بل مشاريع جديدة ومتنوعة ومستذامة عصبها النقل العام وكفاءته.. من حيث تعزيز الطرق الإشعاعية المؤدية إلى الحرم وإنشاء محطات نقل عام للحافلات مناسبة وعملية لضمان توزيع الكثافات البشرية بشكل أكثر فاعلية.

حاليًا، تتركز النسبة الأكبر من زوار الحرم على الناحية الجنوبية، مما يسبب ضغطًا على خطط التشغيل والسلامة. ومن هنا تأتي أهمية إنشاء محطات نقل للحافلات حديثة حول الحرم، بما يسهم في تحسين إدارة تدفق الزوار، ودعم سلامتهم وجودة الخدمات المقدمة لهم.
كما يُقترح نقل الحركة المرورية للحرم إلى حدود الدائري الثاني، مع تخصيص المساحات الداخلية للنقل العام والمشاة بالوصول للداخل، وربط هذه المحطات بمحطات توزيع خارج الدائري الثالث والرابع. والأمر يتطلب سرعة إعادة التفكير في مترو العاصمة المقدسة لايجاد التكامل والتوازن في النقل..

تُعد المشاعر المقدسة من أكثر المواقع ازدحامًا على مستوى العالم خلال موسم الحج، ورغم تشغيل قطار المشاعر، لا يزال النقل التقليدي يهيمن على المنظومة. الحاجة مُلحة لتوسيع نطاق النقل بالقطارات بعد النقلة النوعية والجودة التي تمت بعد تشغيل قطار المشاعر. مع تطوير مراحل النقل الترددي، الذي يخدم أكثر من مليون حاج سنويًا.

مع ذلك، يواجه النقل الترددي تحديات كبيرة مثل كثرة التقاطعات والتداخل بين حركة الحافلات والمشاة، مما يؤثر سلبًا على كفاءة التشغيل. إلى جانب ذلك، تُظهر محطات الحافلات الحالية ضعفًا في التصميم والخدمات، مما يزيد من تكاليف التشغيل وأعداد المشغلين والمنظمين.

أيام التشريق لا تقل أهمية عن أيام التصعيد، إذ تتطلب منظومة نقل فعّالة وآمنة لربط الحرم المكي بمشعر منى. ورغم المحاولات القائمة، إلا أن النقل العام في هذه المرحلة يفتقر إلى البنية التحتية الأساسية، من مسارات محمية ومحطات مجهزة.

إعادة توزيع استخدامات الأراضي تُعد من أهم ممكنات نجاح النقل العام، لكن العاصمة المقدسة تواجه تحديًا في هذا الجانب، حيث تتركز الفنادق ودور الإيواء في مناطق محددة بالقرب من الحرم. هذا التمركز يؤدي إلى زيادة الضغط على وسائل النقل وارتفاع الكثافة البشرية في مناطق معينة.

بفضل دعم حكومة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد، تعزز رؤية 2030 جودة الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن. المشروعات والمبادرات الجاري تنفيذها تمثل خطوة كبيرة نحو تحقيق نقلة نوعية في منظومة النقل العام، بما يعكس طموحات المملكة لتوفير تجربة فريدة وآمنة لجميع زوار العاصمة المقدسة.

حفظ الله الوطن وقيادته، وسدد خطاهم في خدمة ضيوف الرحمن.

اللواء م. سلمان الجميعي

مدير الإدارة العامة للمرور السابق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى