المقالات

صوت المطر

اشتقت أن يقرع المطر زجاج نافذتي لتعم السعادة في أرجاء مملكتي”
هل يمكن للمطر أن يمنحنا قيمة روحية تمثل السعادة، وتكتسي بالفرح، وتؤطر الصورة بأكاليل الراحة؟ وهل يمكن له أن يخرجنا من دائرة الشتات إلى أرجاء تلتقي فيه الروح بأجزائها؟
المطر ليس مجرد ماء ينهمر من السماء فترتوي به الأرض، بل رمز فلسفي روحي عميق يلامس وجدان الإنسان، ويوقظ تأملاته حول الحياة بعد الذبول، والسعة بعد دهاليز الضيق، وربما تنتهي رحلته مع أول قطرة.
المطر يعبر عن دورة الحياة المستمرة والتجدد الدائم، كما أن رحلته وما تحمله من منعطفات وتحديات وما تؤتيه من ثمرات هي بطريق أو بآخر تحاكي في إطارها العام رحلة الإنسان وخطوات تحوله، وبذلك نخرج بفكرة جوهرية تقول إن كلا النسقين يسيران بنهج الفصول المتتابعة والمحطات المتعاقبة نحو تحقيق الأثر، والأهم من هذا أسبقية الأثر في شرح المطر إذ تعني الحياة ويكفي ذلك.

نعم أحب ولي في العشق ملحمةٌ‬
‫لكنّ حُبّي طغى مع نعمة المطرِ‬

وأقول أيضاً :

‫مادمتِ لستِ بالمطرْ‬
‫فلما التكبّر والبطرْ‬
‫أنا ليس يعنيني سواه‬
‫هذا أنا بالمختصر ..

روحياً، يحمل المطر تأثيراً لأنه باختصار أداة السكون، وموطن الهدوء الذي طالما نسعى له، وهو بريد السلام الذي يحققه صوته، وحين يجتمع ذلك المزيج تلوح فرصة التأمل وانسياب الفكرة وتحرر النفس من تلك الضغوط التي تُمارس عليها.
المطر يرمز للرحمة والعطاء غير المشروط، وهذا بدوره يعزز الإحساس بالامتنان، ويجعل من حياتنا ميداناً للبذل المطلق والعطاء المتدفق، وعدم انتظار مقابل لما يُمنح في ذات الحال.
تأثير المطر لا يقتصر على لحظة نزوله فحسب، بل يمتد إلى ما بعد ذلك. ولعل ما بعد ذلك هو الأهم هنا، بل هو الأجمل من كل تفاصيل الرحلة.
بعيداً عن تلك الأبعاد، يعتبر المطر قسيم الحب إذ بات مرتبطاً شعراً ونثراً في تشكيل صورة الحب، أو على أقل تقدير خلفية متحركة لكل صورة فيها عاشق ومعشوق، ومحب وحبيب. وما دامت القطرة تحمل ذلك الوهج في أعظم معاني الحياة وهو الحب، فقد بلغ الحد الأعلى في القيمة، فليس بعد الحب حد.
ختاماً… فلسفة المطر تمتزج بين التأمل الفلسفي والبعد الروحي وبناء الداخل، وفي رائحته قصة حب، وخلف صوته رواية عشق.

رياض بن عبدالله الحريري

كاتب وصانع محتوى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى