المقالات

عبر التاريخ: عقل أم غفلة؟”

استفتح النص بعبارة للمؤرخ الفيلسوف ابن خلدون من لم يقرأ التاريخ عاش عصره فقط، بينما من قرأه عاش الدهر كله.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يتعلم الناس من التاريخ؟ وهل يُمكن اعتباره دليلًا يُنير حاضرهم ويحميهم من تقلبات المستقبل؟
التاريخ مليء بدروس تُثبت أن الظلم يؤدي إلى الهلاك، والتفكك الداخلي يمهد لسقوط الأمم، والعاقبة دومًا للعدل والحق. هذه السنن الكونية والاجتماعية ليست مفاجأة؛ فقد وثّقها القرآن الكريم بآيات تُبرز مصائر المكذبين والطغاة: {فانظر كيف كان عاقبة المكذبين}.
. فالقرآن يبيّن أن العبرة ليست للجميع، وكل العقول لاتسطيع القدرة على الاعتباربل فقط لأولي الألباب الذين يتفكرون: {إنما يتذكر أولو الألباب}.
رغم وضوح دروس التاريخ، لا يستفيد منها كثير من الأفراد والأمم.
يعتقد الطغاة بغرورهم وقوتهم أنهم استثناء وأن مصيرهم لن يشبه مصير من سبقهم. ونظرتهم قاصرة لتركيزهم على المكاسب اللحظية التي تجعلهم يجهلون و يغفلون عن العواقب البعيدة وضعف الوعي التاريخي يُفقد الناس القدرة على استنباط العبر.
التاريخ يثبت أن نفس الأسباب تؤدي إلى نفس النتائج، لكن البشرية تستمر في الوقوع في المصيدة ذاتها.
فالقرآن يوجهنا إلى ضرورة التأمل والتفكر في عواقب الأمم السابقة، لتجنب أخطائها وتحصين الحاضر من التكرار الأعمى للماضي: {فاقصص القصص لعلهم يتفكرون}.
التاريخ ليس مجرد سرد لأحداث ماضية، بل هو علم يُسلّط الضوء على سنن إلهية ثابتة تحكم المجتمعات: {سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا}. النظر في عواقب الظلم والتفكك يُساعد الأمم على تجنب نفس المصير. ومع ذلك، فعدم الاستفادة من التاريخ سببه تعطيل العقول والغفلة عن السنن الإلهية.

التاريخ مدرسة مفتوحة، لكنه لا يعلم إلا من يمتلك العقل والبصيرة. من يدرك سنن الله ويقرأ التاريخ بوعي يستطيع أن يحمي حاضره ويبني مستقبله. أما من يغفل عن هذه الدروس، فمصيره التكرار الأعمى للأخطاء، ليصبح التاريخ بالنسبة له مجرد سرد للأحداث لا عبرة منها.

فاصلة
من يفهم التاريخ، يستطيع أن يبني مستقبلاً أكثر حكمة.”

أ. د. عائض محمد الزهراني

نائب الرئيس لإتحاد الأكاديميين والعلماء العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى