المقالات

الزوجات… الغيرة و(الكتب)!!

تعد ظاهرة حرق الكتب جريمة في حق المعرفة والإنسانية، حيث تؤدي إلى ضياع جهد علماء أفنوا حياتهم للارتقاء بجودة الحياة. لقد حاول المؤرخون المسلمون الإشارة إلى سياق تاريخي لهذه الظاهرة التي لم تسلم منها الأمم السابقة، فحتى في أيام الإغريق، كانت الكتب تُحرق بإشراف كبار الفلاسفة.

على سبيل المثال، ذكر المؤرخ ابن أبي أصيبعة أن أفلاطون (347 قبل الميلاد) قام بحرق كتب ألفها الفيلسوف طاليس وأصحابه، لاعتمادهم على القياس أو التجربة فقط.

وفي التاريخ العربي، شهدت بعض الأمصار عمليات حرق للكتب وإتلافها، ومن أشهرها ما حدث أثناء الغزو المغولي لبغداد سنة 1258م، عندما قام المغول بحرق الكتب ورميها في نهر دجلة، مما تسبب في كارثة حضارية.

تشير المصادر التاريخية إلى أن ظاهرة حرق الكتب بدأت في القرن الثالث الهجري، حيث قام بعض الجماعات الصوفية بإتلاف كتبهم لأسباب نفسية أو فلسفية.
• الإمام أحمد بن أبي الحواري، أحد علماء السنة والذي وصفه العالم الفقيه الجنيد البغدادي بـ”ريحانة الشام”، توفي سنة 230هـ، جمع كتبه التي قام بتأليفها ورماها في النهر.
• أبو كريب الهمداني، من كبار محدثي الكوفة، توفي سنة 243هـ، وأوصى بأن تُدفن كتبه معه، وتم تنفيذ وصيته.
• أبو حيان التوحيدي، الفيلسوف والأديب المتصوف، أحرق جميع كتبه نتيجة إحباطه المتواصل وعدم تقديره كما كان يتطلع.

لكن المثير للدهشة هو ظاهرة قيام زوجات بعض العلماء والمفكرين بحرق كتب أزواجهم بدافع الغيرة، لانشغالهم بتأليف الكتب وقضاء أوقات طويلة بعيدًا عنهن.
• سيبويه (عمرو بن عثمان الفارسي)، إمام النحاة وأول من بسط علم النحو، تزوج جارية عشقته في البصرة، لكنها أحرقت كتبه بسبب انشغاله عنها بالسهر وتأليف الكتب. عندما علم بذلك، أُغشي عليه ثم طلقها.
• الليث بن المظفر، أحد علماء العربية، انشغل عن زوجته بحفظ كتاب “العين” للفراهيدي، مما دفع زوجته إلى إحراق الكتاب غيرةً.
• الأمير محمود الدولة الآمري، من أعيان مصر وأفاضل علمائها، كان يقتني الكثير من الكتب، وعند وفاته، رمت زوجته كتبه في بركة ماء وسط الدار لأنها كانت تغار من انشغاله بها.
• إبراهيم بن علي العياشي، أبرز مؤرخي المدينة المنورة، قضى عشرين سنة في تأليف كتاب “الحجرات”، الذي يروي تفاصيل غرف الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع زوجاته. أحرقت زوجته الكتاب بدافع الغيرة، مما أدى إلى مرضه وإصابته بالشلل.

حتى في حياة محمد بن شهاب الزهري، الذي توفي في رمضان سنة 124هـ، اشتكت زوجته قائلة: “والله، هذه الكتب أشد عليّ من ثلاث ضرائر!”

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى