المقالات

إبراهيم الشيخي.. رحلة نجاح بين الموهبة والتميز الأكاديمي

ذات ليلة من ليالي شتاء الليث الجميلة، وفي احتفال أشبه بكرنفال، وبينما كنت أعيش قمة احتفاء الناس بتجربتي الشعرية، وكما يحدث لي ولكثير من الشعراء، يدخل كثير من الشباب الذين يريدون خوض المجال. وكالعادة، نترك المجال للمشاركة بعد استشارة صاحب الحفل، ونجعل القبول والحكم بيد الحضور.

حدث أن دخل عليّ شاب بسيط ومؤدب يرافقه عدد من رجال قبيلته الذين أكن لهم كل التقدير. طلب الشاب بلهجة “جداوية” أن يشارك، فرحبت به واستأذنت المضيف، وشارك مشاركة واثقة، ثم انصرف. توقعت أن تكون مشاركاته القادمة على وتيرة المحاولات التي تعاني من التعثر كثيرًا، خاصة وأن الساحة حينها كانت تعج بالأسماء الكبيرة، حتى أنا وجيلي وقتها كنا نكافح بكل قوة لنحتفظ بمكان لنا.

لم تمضِ فترة طويلة حتى بدأت أسمع عن شاعر شاب يتقدم بين الكبار ويشق طريقه نحو النجومية. وما هي إلا أشهر حتى أصبحت أصداء مشاركاته تتصدر حوارات المتابعين. وكنت أقول في نفسي: ربما حاجة الناس لأسماء جديدة تجعلهم يحتفون بأنصاف وأرباع المواهب.

بعد فترة، جمعتني به حفلة من العيار الثقيل، وكان أمامي زميلان من أقوى الأسماء، والتحدي على أشده. كانت القارعة على أحرف صعبة ومن عشرة أبيات. بدعت قصيدتي واستعددت للرد عليها، وإذا بالشاب يقترب مني ويقول: “أنا معك، أعطني الأبيات لأجهز ردها”. أعطيته الفرصة الأولى، وفي داخلي يقين أنه سيعتذر.

لكن المفاجأة أنه استوعب الأبيات مباشرة، وأعادها عليّ بالنص. وما هي إلا لحظات حتى قال: “أنا جاهز”، وقدم أداء كأنه يمتلك خبرة عشرات السنين في الساحة. تكرر الأمر في القصيدة الثانية والثالثة، واطمأننت إلى تعادل الكفة مع الفريق المقابل.

كانت تلك الليلة تأكيدًا لانبثاق نجم عملاق سيكون له اسم كبير في الساحة الشعرية. بدأت نجاحاته تتصاعد بصورة متسارعة، واستمرت لقاءاتنا وتواصلنا، لأكتشف في كل مرة أنني أمام إنسان غير عادي. يتمتع بذكاء اجتماعي وقدرة على تكوين الصداقات، شغف بالعلم والثقافة والموسيقى، حافظة قوية لا تسقط منها كلمة، ووعي عميق لما وراء الكلمات.

إلى جانب إلمامه الموسوعي بشتى نواحي المعرفة تاريخيًا وأدبيًا، أصبح مرجعًا موثوقًا لأي معلومة في هذا المجال. انطلق بعد ذلك إلى ساحة المحاورة (القلطة)، وأثبت نفسه كواحد من أهم الأسماء في هذا المجال في فترة استثنائية.

واصل نجاحه الأكاديمي حتى حصل على الدكتوراه بتميز من أعرق الجامعات السعودية. كما ترك بصمته في المجال المجتمعي والإنساني، وسجل اسمه بأحرف من ذهب. وبرغم كل النجاحات التي حققها، فإنني أؤمن أن المنتج الحقيقي لهذا الشاب المبدع سيظهر في مرحلة لاحقة، وسيبهر المشهد الثقافي بأسره.

تجربة الدكتور إبراهيم الشيخي ليست مجرد قصة نجاح، بل هي نموذج للشباب الطموح الذي يجمع بين الموهبة الأصيلة، والجهود الذاتية، والهمة التي لا تعرف الكلل أو الإحباط.

أكتب هذه السطور، ليس فقط لأنه صديقي المقرب الذي ترتقي علاقتي به إلى علاقة تشبه البنوة والأبوة، ولكن لأضع أمام الشباب الطامحين تجربة تستحق الاحترام والإلهام.

هناك كثير من الموهوبين والمبدعين، ولكنهم بحاجة إلى وضع أقدامهم على الطريق الصحيح، وأن تكون لديهم تجارب تستحق التقدير، كتجربة الدكتور إبراهيم الشيخي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى