المقالات

الزنجبيل بين التبجيل والتهويل

عالم النباتات والأعشاب مليء بالعجائب والفوائد، ولكنه أيضًا ساحة خصبة للمبالغات والشائعات. وبينما يلتف البعض حول نبتة ما باعتبارها مفتاحًا للصحة وطريقًا للشفاء من كل داء، نجد آخرين يرفعون راية التحذير والتخويف، متهمين هذه النبتة أو تلك بأنها مصدر للأذى والخطر. والزنجبيل واحد من تلك الأعشاب التي نالت نصيبها من التبجيل والتهويل، فهو في نظر البعض إكسير الحياة، وفي نظر آخرين عنصر محفوف بالمخاطر.

أهمية التوازن في قراءة فوائد الأعشاب

عندما نتحدث عن فوائد الزنجبيل، نجد أن الدراسات العلمية أثبتت بالفعل بعض خصائصه المهمة، مثل دوره في تقليل الغثيان، وتحسين الهضم، ودعم المناعة، والمساهمة في تخفيف الالتهابات. لكن هذا لا يعني تناوله بلا قيد أو شرط، إذ إن أي مادة غذائية، مهما كانت طبيعية، يمكن أن يكون لها آثار جانبية أو تداخلات دوائية، خاصة لمن يعانون من أمراض مزمنة مثل السكري أو ارتفاع ضغط الدم. وهنا تأتي أهمية القراءة الواعية بعيدًا عن التطرف في التقديس أو التهويل. فالإيمان الأعمى بأن الزنجبيل، أو أي عشبة أخرى، علاج سحري قد يدفع البعض إلى استهلاكه بكميات غير محسوبة، مما قد يؤدي إلى أضرار غير متوقعة. بالمقابل، فإن نشر الشائعات التي تحذر من استخدامه دون أدلة علمية موثوقة قد تحرم الناس من فوائده الحقيقية او الاستمتاع بتناوله.

جدل لا ينتهي

الزنجبيل ليس الضحية الوحيدة لهذه الازدواجية، فلطالما تعرضت أعشاب اونباتات أخرى مثل الحلبة، القرفة، المردقوش، والحبق لنفس الموجات من التمجيد والتحريم. فتارة تُوصف القرفة بأنها مضادة للسكري ومفيدة للقلب، وتارة يُحذَّر منها على أنها قد تؤثر سلبًا على الكبد. كذلك الأمر مع الحلبة، التي تُشاد بفوائدها الغذائية، ولكن تُتهم أحيانًا بأنها تؤثر على الهرمونات. هذا التناقض ليس جديدًا، وهو نتيجة طبيعية للكم الهائل من المعلومات التي تنتشر دون تمحيص، سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو حتى في بعض الكتب غير الموثوقة. ومن هنا تأتي ضرورة التثبت من المصادر، وعدم الانسياق وراء العناوين الرنانة التي قد تكون بعيدة عن الحقيقة العلمية.

كيف نقرأ المعلومات عن النباتات او الأعشاب بوعي؟
1. الاعتماد على المصادر العلمية
ليس كل ما يُكتب عن الأعشاب يستند إلى دراسات موثوقة، لذا من الضروري الرجوع إلى الأبحاث العلمية المنشورة في مجلات معترف بها.
​2.​تجنب التعميم المفرط
ما قد يكون مفيدًا لشخص قد لا يناسب آخر، فكل جسم يتفاعل بطريقة مختلفة، وخاصة لمن يعانون من أمراض مزمنة أو يتناولون أدوية معينة.
2. الاعتدال في الاستخدام
حتى الأعشاب ذات الفوائد المثبتة يجب استهلاكها بكميات معتدلة وضمن الحدود الموصى بها.
3. عدم تصديق الشائعات بسهولة
سواء كانت إشادة مفرطة أو تحذيرًا شديدًا، يجب تحليل المعلومات بعقلانية وعدم التسرع في الحكم.

أخيرا، الزنجبيل كغيره من الأعشاب، ليس دواءً سحريًا ولا سمًّا قاتلًا. وبين هذين النقيضين، يجب أن نقف وقفة متأنية، نقرأ، نحلل، ونختار بوعي ما يناسب صحتنا. فالطريق إلى الاستفادة الحقيقية من الطبيعة يكمن في الاعتدال والمعرفة، لا في التهويل اوالتبجيل.

د. دعاء صالح الطويرقي

أستاذ مساعد التغذية والعلوم النفسية - جامعة الملك عبدالعزيز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى