عام

الدرعية ويوم التأسيس.. ذاكرة الفخر وشموخ الإرادة

عندما قال ولي العهد الأمير الشاب محمد بن سلمان، “أن السعودية أعظم قصة نجاح في العصرالحديث” لم أكن أدرك كل المعنى لهذا التصريح، ولكن عندما حملتني خطوات عشق ومحبة يوم الاربعاء19 فبراير 2025, إلى قلب الدرعية التي تروي تاريخ دولة عظيمة بحجم ومكانة المملكة العربية السعودية، في امسية هادئة تحت ضوء النجوم، كان النسيم العليل ينساب بينأروقة المدينة العتيقة، وكأن عبق الماضي مايزال يتنفس بين جدرانها عرفت حينها القصة العظيمة.

  شعرت أنني لا أزور مجرد قرية او  مدينة أثرية، بل أتنقل بين صفحات كتاب حي يسرد ملحمة وطن يمتدتاريخه لثلاثة قرون .

  وقفت أمام  مباني عتيقة  احتضنت لحظة تاريخية فارقة ، لحظة التأسيس الأولى عام 1139هـ(1727م)، حين بادر الإمام محمد بن سعود إلى وضع الاسس و اللبنات الأولى للدولة السعودية من قلبهذه الأرض المباركة ، لتولد منها دولة أثبتت رسوخها وثباتها بين الأمم.

  شموخ الدرعية، رغم تعاقب العصور، يعكس صلابة البنيان وصمود الإرادة.   

  لكن ما جعل هذه الزيارة أكثر عمقًا هو ذلك الطابع المعماري المتميز و الفريد الذي يطبعها اليوم، وهو«المعمار السلماني»، الذي حمل رؤية الملك سلمان بن عبد العزيز منذ أن كان أميرًا على منطقة  الرياض، جامعًا بين روح الماضي وألق الحاضر.

   إنه أسلوب يعكس وعيًا عميقًا بأهمية الجذور التاريخية، وحرصًا على إبقائها حاضرة في ملامح التطورالحديث.

    في هدوء الليل، وبين أضواء خافتة تبرز ملامح الحجارة القديمة ، تدرك أن الحكاية لم تكن لحظة عابرةبل مسيرة زاخرة  ممتدة، خطها رجال آمنوا بوحدة الأرض والهوية.

  كل زاوية، كلّ مساحة  داخلها ، تحمل بصمة من صنع هذا المجد العظيم، وكل حجر يهمس بقصةوطن صمد في وجه التحديات ليغدو  اليوم  أحد أعمدة الاستقرار والنمو في المنطقة بل في العالم

  يوم التأسيس في 22 فبراير ليس بديلاً عن اليوم الوطني الذي تحتفل به المملكة في 23 سبتمبر، بل هوتكريس لعمق الجذور وتاريخ الانطلاق. فالأول يحتفي بولادة الكيان السعودي بقيادة الإمام محمد بنسعود، الذي نجح في توحيد الصفوف في زمن الفوضى، بينما يخلد الثاني ذكرى توحيد المملكة على يدالملك عبد العزيز آل سعود عام 1932. كلا اليومين يرويان فصولاً من ملحمة واحدة، لكنها فصول تؤكدعلى استمرارية المجد لا تكراره.

ما يجعل ذكرى التأسيس هذا العام مختلفة بالنسبة لي هو معايشتي لهذا النبض الوطني مباشرة بينالسعوديين، في قلب المملكة.

لقد لمست روح الانتماء الراسخة في تفاصيل الحياة اليومية، وشهدت التحولات التي تجعل منالسعودية نموذجًا للدولة العصرية التي تتمسك بجذورها بينما تنظر بثقة إلى المستقبل. إنه شعور لايمنحه التتبع من بعيد، بل يتولد فقط عندما تعيش بين الناس وهم يحتفلون بوطنهم، يتبادلون الفخروالفرح، ويجددون ولاءهم لأرضهم وقادتهم.

في لحظة بدأ فيها العالم غارقًا في صراعات متشابكة، كان لافتًا اختيار الدرعية كموقع لتنظيم أعظمه لقاءفي هذا الزمن الصعب ، لقاء غير مسبوق بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأمريكي دونالدترامب.

لقاء سيحمل في طياته رمزية عميقة تتجاوز حدود السياسة. فالدرعية، مهد الوحدة السعودية، تصبحاليوم منصة لحوار بين قوى كبرى، في مشهد يجسد قدرة المملكة على أن تكون جسر تصالح و حواروسلام بين المتنافرين وميدانًا  بما يعلن فيه من قرارات قد تغير مسارات السياسة الدولية.

   إنها رسالة قوية للعالم من أرضٍ صنعت مجدها بالتوحيد والاستقرار، يمكن أن تنطلق مبادرات تجمع لاتفرق، وتفتح مسارات جديدة نحو السلام.

   وكما كانت الدرعية يومًا نقطة انطلاق لوحدة الجزيرة العربية، فهي اليوم رمز لقدرة المملكة على لعبدور محوري في صياغة مستقبل جديد و افضل لعالم كم يحتاج لصوت سعودي ، صوت الحكمة والاعتدال  و التسامح .

من هنا بدأ التاسيس، و تسرد  الحكاية. و من هنا يولد عالم جديد بعنوان محبة و سلام .

.

حذامي محبوب

صحفية تونسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى