المقالات

تداخُل العلوم

تتفاعل الموجودات وتتداخل وتقوم بينها علاقات سلبية وإيجابية وبسبب هذا التداخل والتفاعل تتداخل العلوم فلا يمكن فهم الظواهر المرَكَّبة إلا بواسطة التمازج بين العديد من التخصصات وكنموذج على هذا التداخل نجد أن عالم الفيزياء الألماني الشهير إرفين شرودنجر يؤلف كتابًا بعنوان (ما هي الحياة) فقد تساءل أمام ما يبدو أنه تناقض بين الفيزياء والأحياء …..
ذلك أن من أهم قوانين الفيزياء هو القانون الثاني للديناميكا الحرارية وظاهرة الانتروبيا فتساءل: كيف يتجنب الكائن الحي التحلل الذي يقتضيه القانون الفيزيائي في الانتروبيا وهو يعني التقليص والتشتت والتبدد والتحويل والتلاشي والخروج من النظام إلى الفوضى أو إلى اللا نظام …. ؟؟؟!!!
فقرب نهاية النصف الأول من القرن العشرين ألقى شرودنجر محاضرة صارت شهيرة تحولت المحاضرة إلى كتاب يحمل عنوان (ما هي الحياة؟) مثَّل نقطة تحول حيث حصل التزاوج والتداخل بين علمي الفيزياء الكيمياء وعلم الأحياء : (( فعلم الأحياء يبقى معيبًا إن لم نفهم قوانين الفيزياء والكيمياء التي تؤثر في الكائنات الحية وتتحكم بها))
وبسب هذا التحول في رؤية الواقع نجد أن عالم الفيزياء فرانسيس كريك يتحول إلى علم الأحياء ويحقق كشفًا محوريا في علم الأحياء نال به جائزة نوبل بالاشتراك مع جيمس واطسون حيث اكتشفا بنية المادة الوراثية (الدنا) وهو من أعظم الإنجازات العلمية في القرن العشرين ……
إن التركيز في التعليم على تخريج متخصصين في مختلف مجالات العمل قد أبقى التفكير البشري معطوبًا فماذا يعرف المحامي أو المحاسب أو الطيار أو المهندس الإنشائي أو غيرهم من التخصصات ماذا يعرف هؤلاء وغيرهم إن لم يكونوا مسكونين بالهم المعرفي القوي المستغرق؛ ماذا يعرفون عن طبيعة الإنسان وقابلياته وعن التفكير وتحولاته واللغة وعجائبها التي لا تنقضي وعن الدماغ ومرونته وتحجره وعن العقل البشري وتنوُّعه بتنوع البيئات ؟؟!! سيبقى الجهل المغلَّف بالأوهام المعمَّمة؛ مسيطرًا ….
لقد هيمن الهَمُّ الاقتصادي على النُّظُم التعليمية في كل العالم وهيمن المطلب النفعي على الدارسين فلم تعد المعرفة قيمة تُطلب لذاتها وإنما تحول العلم إلى وسيلة نفعية محضة إنها مأساة الإنسان والتنازع بين متطلبات الفهم والإدراك وتكوين رؤية شاملة وعميقة عن ذاته وعن الوجود وهو ما تستوجبه إنسانية الإنسان مقابل متطلبات الحياة فالإنسان ليس فقط مجرد كائن حي يحتاج الغذاء والماء والمأوى والأسرة والنوم والراحة والدواء بل هو كائنٌ مسؤولٌ فالحياة مسؤولية عظيمة وعبءٌ ثقيلٌ متجدد …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى