المقالات

بصيص من الضوء

برغم النزر اليسير من الضوء الخافت، لم يكن ذلك حائلاً دون تطاول آمال الماضين وتطلعاتهم نحو مستقبلٍ أفضل.

وكان لضوء الفانوس حينها الدور الهام، الذي أتى بعد مرحلة “الضواية” و”السعفة” التي يسري بها الفلاح أثناء السير في دُجى الليل.

فذلكم هو الفانوس الذي استأنستم به في مسامراتكم، فهو سمير الطالب والفلاح عبر رحلةٍ طويلة، رافق خلالها الأجيال الماضية، مدوّناً في صفحة الماضي والتراث أثراً لا يُنسى، في السهرات والمسامرات، ومذاكرات التلاميذ، وحلّ واجباتهم اليومية.

حدّثوا عنه أجيالكم، وما حفلت به ذكرياتكم، وأنتم ممسكون بالفانوس و”المسلاف”، مستلقٍ على الأكتاف، وأنتم تحثّون الخطى، ماضون باتجاه حقولكم لسقيا النخيل وريّ الزروع.
وكأنكم تقولون: إنّ الذين لا يهبهم العزم أجنحة، لا يستطيعون أن يسيروا ويشقّوا طريقهم في مشوار الحياة، ولن يستطيعوا بعد ذلك الاستمتاع برؤية جمال قطرات الندى على أوراق الشجر، واستنشاق الرحيق وروائح الياسمين في نهاية المطاف.

ومن لم تلسعه صروف الأيام، وتنهشه ذئاب الليالي، يظل خانعاً، قانعاً، مؤثراً الراحة والسكون على التعب.
ويبقى المتقاعس كطائرٍ مهيض الجناح، منكَبّاً على ظهره، طريحاً بين الصخور.

وبالفعل، فإنّ العيون الرمداء لا تستطيع أن تُحدّق إلا في الأشياء القريبة.

أجل، حدّثوا أجيالكم عن الفانوس، وكيف استفاد منه أجدادكم وآباؤكم.
وكيف استطاعت الأمهات أن يُبرِمن معه عقوداً طويلة الأجل، يتعهدن بموجبها بأعمال الصيانة والنظافة، وتزويده بالجاز اللازم، وتأمين الفتائل.

وهكذا، ومع شحّ الإمكانات، استطاعت البيوت الاستفادة من نوره الخافت البسيط.
ولو لم تكن لدى تلك الأجيال الرغبة الجامحة في مجابهة الظروف، والإصرار على مواجهة الصعاب، واقتحام المعوقات، لما رأيتموهم اليوم في مكانهم اللائق بهم.

وهم من استطاعوا، أولاً بعون الله تعالى، ثم بصبرهم ودأبهم وكفاحهم الجميل، أن يشقوا طريقهم في الحياة.
ولو أنهم كانوا من أهل التذرّع والتحجّج، لما تمكنوا من اقتلاع الأشواك التي تعترض طريقهم.

فاستخلصوا، أيها الأبناء، من الماضي الدروس والعِبر، حتى وإن كانت الأدوات بسيطة.
لكن القناعة بما هو موجود حينها، يجب أن يُبنى عليه لما هو أكبر، وأجمل، وأمثل، نحو بناء المستقبل المشرق، بإذن الله تعالى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى