في حديث للصحافة من لبنان، أعلنت أم كلثوم عام 1968م عن محبتها للبنان وأهله، وأنها ستغني قريبًا من ألحان محمد عبد الوهاب، كلمات أغنية لشاعر لبناني لم تذكر اسمه. وبعد فترة، عُرف الاسم، وهو “جورج جرداق”، والقصيدة هي “هذه ليلتي”.
أنجز الموسيقار عبد الوهاب اللحن، وغنَّتها أم كلثوم في نهاية عام 1968م على مسرح سينما “قصر النيل” في القاهرة، وهي من الأعمال النادرة التي تتغنى فيها أم كلثوم بالخمر:
يا حبيبي وأنت خمري وكأسي، ومنى خاطري وبهجة أنسي
فيك صمتي، وفيك نطقي وهمسي، وغدي في هواك يسبق أمسي
وكانت، بحسب الكاتب الصحفي والناقد الفني “محمود زيباوي”، “ليلة التقى فيها النيل والجبل الأخضر”. حضر حفل انطلاق الأغنية كاتبها الشاعر “جورج جرداق” وزوجته، وبعد انتهاء الحفل، قال: “لو متُّ الآن لما همني شيء، فقد فزت بكل شيء عندما جرى شعري على شفتي أم كلثوم”.
كان الحدث بالنسبة للشاعر جورج جرداق كبيرًا وعظيمًا وخالدًا؛ فمجرد أن يرتبط اسمه باسم كوكب الشرق أم كلثوم، فذلك هو منتهى النجاح والتفوق والتميز.
كما استقبلت الصحافة العربية الأغنية بحفاوة بالغة، لدرجة أن أم كلثوم علقت عليها قائلة: “الكلام الحلو لا وطن له، وأنا أحب أن أغني لكل شاعر مجيد”.
وفي اليوم التالي لانطلاق الأغنية، كتب الصحفي والناقد الفني المصري “جليل البنداري” في صحيفة أخبار اليوم قائلاً: “اثنان بلغا هذا المستوى من الجمال الفني في الشعر، هما المتنبي وجرداق، ولا غرابة في ذلك، فجرداق يجمع في أدبه وفي شخصه الشاعر والفيلسوف والرسام والموسيقي والمثقف العالمي”.
أما ملحن الأغنية، الموسيقار محمد عبد الوهاب، فقال: “يا عيني على السهل الممتنع في قصيدة جورج جرداق”. وقد شدت أم كلثوم بأغنية “هذه ليلتي” أيضًا في عام 1970م في مسرح بعلبك بلبنان، وكانت تلك آخر حفلاتها في لبنان.
ولهذه الأغنية قصة رواها الشاعر جورج جرداق نفسه في مقابلة تلفزيونية عام 1966م، يقول: “«هذه ليلتي» هي جملة أجبت بها على سؤال وجهته إليَّ أم كلثوم، والتي كانت سببًا في شهرتي التي تخطت حدود بلدي لبنان، لتصل إلى جميع أقطار الوطن العربي”. وكان ذلك بعد أن سألته السيدة أم كلثوم عندما التقاها في إحدى زياراتها لبيروت: “متى سوف أغني من كلماتك يا جورج؟”، فأجابها قائلاً: “هذه ليلتي، وحلم حياتي أن تغني من كلماتي كوكب الشرق أم كلثوم”.
وهو الأمر الذي أفرحه كثيرًا، فبدأ جرداق مباشرة في كتابة القصيدة التي طلبتها أم كلثوم، والتي يقول في مطلعها:
هذه ليلتي وحلم حياتي، بين ماضٍ من الزمان وآت
الهوى أنت كله والأماني، فأملأ الكأس بالغرام وهات
في تلك الفترة، كان الفن يعيش في الناس ويضيف إلى حياتهم فرحًا وسعادة؛ وأغنية “هذه ليلتي” جمعت بين الغناء والموسيقى في مصر، وزهوة القصيدة العربية بنكهتها اللبنانية الجميلة، وكانت “هذه ليلتي” أول أغنية عاطفية تغنيها أم كلثوم بعد حرب يوليو عام 1967م.