اقتصاد

متحف الأسماك المتحجرة يختزن كائنات يعود بعضها إلى عصر طوفان نوح عليه السلام

بيروت 20 شوال 1432هـ

تعتبر الأسماك المتحجرة دليلا وشاهدا على التطور البيولوجي للكائنات الحية المائية حيث تحتفظ لنا أسماك متحجرة نادرة أو منقرضة نتيجة التغيير الجيولوجي والمناخي في المنطقة صور ما كانت عليه الحياة منذ ملايين السنين ومدينة جبيل الواقعة في شمال لبنان خير شاهد يختزن متحفا من الأسماك المتحجرة الذي يعود عمرها إلى ما يزيد على ال 100 مليون عام من التاريخ .

يعد متحف "الأسماك المتحجرة" الذي أقامته عائلة أبي سعد في تلك المدينة الجبلية المرتفعة 650م عن سطح البحر المتحف الأول من نوعه في الشرق الأوسط نظرا لما يزخر به من متحجرات يعود بعضها إلى عصر "طوفان نبي الله نوح عليه السلام" ولما يحمله هذا المتحف من قيمة تاريخية وعلمية ووطنية وجمالية وشهادة على وعي اللبناني لأهمية تراثه الطبيعي بموازاة التراث الثقافي بأبعاده كافة . عالم المتحجرات بيار أبي سعد حائز دراسات عليا في علم الآثار في فرنسا المتحدر من العائلة التي تشرف على المتحف تحدث إلى مندوب وكالة الأنباء السعودية عن أسباب إنشاء متحف للمتحجرات في مدينة جبيل فقال بأن الفكرة ولدت من الرغبة في إبراز تنوع التراث الطبيعي اللبناني وضرورة التعريف عنه لما له من أهمية في الكشف عن تطور حياة الكائنات وخصوصا الأسماك منوها بجهود المديرية العامة للآثار ومنظمة "اليونيسكو­" لإنشاء متحف المتحجرات .

وحول المتحجرات في لبنان أشار أبي سعد الذي توارثت عائلته مهنة التنقيب عن المتحجرات من جيل إلى آخر إلى (أنها تمتاز بجودتها وصلابتها وذلك بفضل تكوين الصخور ونوعية التربة والمناخ في لبنان لذلك نشرف على استخراجها من بين ثنايا الصخور الموجودة في مقالع تقع في مناطق كبلدة "حاقـل" و"جرود جبيل" و"ساحل علما" خاصة أن جمعها وتصنيفها يتطلب سنوات طويلة من العمل قبل أن يتم عرضها في المتحف).

وشرح أبي سعد آلية استخراج هذه المتحجرات التي تتطلب دقة عالية حيث يستخدم المطرقة والإزميل لنقر الصخرة خصوصا أنه لا يجوز أبدا استخدام الجرافات أو الآلات كي لا تتضرر هذه الثروات التي تعود إلى ملايين السنين بضربة إزميل أو مطرقة.

ولدى سؤالنا عن كيفية وجود هذه الأسماك في تلك المناطق الجبلية المرتفعة قال أبي سعد: مع حدوث الزلزال الأكبر في تاريخ الأرض " منذ حوالي 30 مليون سنة" والذي امتد من بر الأناضول حتى جزيرة مدغشقر تكون سهل البقاع وبرزت سلسلتا الجبال الشرقية والجبال الغربية في لبنان وهكذا صعدت الطبقات التي كانت أصلا في باطن البحر وارتفعت معها المتحجرات إلى أعالي الجبال وعلى مر الأيام تحولت تلك الرواسب إلى صخور ولكن هذا لا يعني أبدا أن الأسماك ماتت على الصخور بل دفنت في داخل تلك الرواسب البحرية منذ نحو 100 مليون سنة .

ولفت العالم أبي سعد خلال جولة برفقتنا على أرجاء المتحف أن الأخير يضم مجموعة من النفائس من مختلف أنواع الأسماك نادرة الوجود حيث ذيلت كل قطعة بشرح تسمح للزوار الاطلاع علميا وعمليا على هوية القطع المعروضة لافتا إلى أن الأصناف التي تمت دراستها في المتحف لا تتجاوز نسبتها ال 20 في المائة من محتوياته.
وتتوزع أجنحة المتحف الباقية على المتحجرات من نباتات وأسماك غضروفية وأخرى نصف عظمية إضافة إلى بقرة البحر "اللخمة" والحيوانات اللافقارية ومن هنا يتبين تصنيـف الأسماك في المتحف وفقا لطبيعة هياكلها العظمية وحراشفها مما يسهل على الباحثين تحديد الكثير من المعطيات حولها فبعض الحراشف تدلل إلى أسماك عاشت في العصر الجيولوجي الأول وبعضها الآخر يعود إلى أنواع أكثر تطورا.
إلى ذلك لفتنا الإقبال الكبير الذي يلقاه المتحف من الزوار على تنوع مشاربهم حيث استوقفنا السائح السعودي عوض الربيعي القادم من جدة قاصدا التعرف على هذا المتحف الذي لطالما سمع عنه ممن سبق من أبناء ديرته لما يبرزه من تجليات لحكمة الخالق في مخلوقاته .
في حين أعربت الطالبة اللبنانية سيفين مطر 18 عاما عن دهشتها لوجود هكذا متحف في لبنان حيث اكتشفته خلال مرورها صدفة في أسواق جبيل مما أسترعى انبهارها لما يحتويه من مقتنيات نفسية الطابع وغنية المدلولات. أما أنطوانيت نصر الله (ربة منزل) فاعتبرت أن هذا المتحف هو تحفة لبنانية للعالم كونه يتضمن في مختلف أرجائه روائع علمية ومتحجرات قلما تجدها في أي بقعة أينما حللت وهو فخر لنا كلبنانيين .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى