مع المرأة في الشورى
د/ أحمد الزهراني
صدر قرار الملك عبدالله حفظه الله بإشراك المرأة في مجلس الشورى ، والسماح لها بالترشّح والترشيح في المجالس البلديّة .
وسبق هذا القرار جدل استمر سنوات عديدة بين أهل الشريعة وبين تيارات علمانية وليبرالية ضغطت بشدّة لصالح هذه القرارات ، لا لشيء إلاّ أنّها رأت فيها كسراً لشوكة العلماء وأتباعهم الذين يسيطرون على التوجّه والمزاج العام للمجتمع في المملكة .
وجاء القرار لينهي هذا الجدل ويضعنا جميعاً أمام واقع يجب التعامل معه .
قبل الحديث عن فكرة المقال أقول إنّني من حيث النظر العلمي المجرّد كنت مع جمهور أهل العلم بالمنع من ذلك لما يترتب عليه من مفاسد راجحة وغالبة.
لكن علينا التنبّه أنّنا في هذه المعارضة لا ننطلق من حكم هو محل إجماع أو نص متفق عليه، وإنّما ننطلق من أصل سدّ الذّرائع أو المصالح أو النظر للبعيد من حيث مآلات هذه الخطوات وخدمتها لمشاريع التغريبيين .
لكن علينا أن نقرّ بأنّنا لسنا وحدنا في الأرض ، وأنّ هناك من أهل العلم من كان لا يرى مانعا من ذلك ، مستندا على البراءة وخلوّ النصوص الشرعية من المانع الخاص .
فالمسألة إذن محل تردّد ونظر شرعي اجتهادي .
كلّ هذا الجدل والخلاف كانت السّاحة تحتمله قبل أن يصدر قرار وليّ الأمر ، أما وقد اختار حفظه الله الرأي الآخر فإنّ الإجتهاد والجهود يجب أن تتوافق لتصبّ في مجرى واحد ، ألا وهو كيفيّة تفعيل القرار وفق الضوابط الشرعيّة ودرء أيّ مفسدة كنا نتخوّفها من مثل هذا الإجراء .
بمعنى أنّ ما صدر من بعض أهل العلم من معارضة الخطوة وإظهار مخالفتها للشّريعة وإرسال رسائل من خلالها للمجتمع بأنّ وليّ الأمر أخذ برأي خالف فيه العلماء ومال فيه إلى التغريبيين أراه تصرفا مخالفا للمنهج الشّرعي في مثل هذه المواقف .
لأنّها تظهر وليّ الأمر بصورة الضّعف وهذا أمر ليس في صالح الدولة ككلّ .
ولأنّها تظهر الأمر وكأنّه انشقاق وخلاف بين الدولة وأهل العلم والمتديّنين ، وهذا أمر حتى لو فرض أنّه غير موجود فإنّ مواقف بعض أهل العلم الّتي أشرنا إليها ستعطي انطباعا بوجوده ، لا بل قد تكون سببا في وجود هذا الإنشقاق على وليّ الأمر وهو أمر سيُستغلّ بصورة بشعة بدأت بعض بوادره بالظّهور ، وبدأت بعض القنوات وبالأخصّ الّتي تتبع إخوان لندن تعزف على وتره وتركّز على الحراك الشيعي الّذي يريد زعزعة الأوضاع لصالح مشاريع بلاد فارس.
من الواجب على من رأى قرارات الملك لا تتوافق مع اجتهاده أن لا يلجأ في إنكارها إلى الجمهور أو الإعلام ، بل عليه أن يظهر لوليّ الأمر ما يراه في الموضوع من خلال لقائه إن أمكن أو من خلال رسائل شخصيّة ، وبهذا يكون قد أدّى ما عليه .
أمّا إظهار البيانات الفرديّة أو الجماعية الّتي تتحدّث عن الأمر فإنّ مفسدتها أكبر من مصلحتها .
لأنّها تتحدّث عن مسألة من خصائص وليّ الأمر ، بمعنى أنّها ليست نصاً أو حكما متفقا عليه أو جزءا من الدين تم إبطاله، بل هي مسألة راجعة أصلاً إلى اختيار وليّ الأمر ، فالمصالح المرسلة ومسائل سدّ الذّرائع ليست موجّهة إلى عموم الناس ، بل هي من مسائل السياسة الشرعيّة ، فالخلاف فيها قبل صدور القرار مقبول لأنّه نقاش يستفيد منه ولي الأمر نفسه ، فإذا اختار أحد القولين فالإستمرار بطرح الرأي الآخر وبيان فساد ما أختاره هو نوع من المشاقّة والخلف، وهو أمر لا تحمده الشّريعة وإن نحاه بعض أهل العلم مع احترامنا وتقديرنا لهم .
أمّا لو فرض أنّ ولي الأمر منع الناس من الصلاة أو أظهر إباحة الخمر أو نحو ذلك من شعائر الدين فالكلام فيه وإظهاره واجب ولو لم يرض السلطان .
إنّ الشيطان كثيرا ما يصوّر لنا المفسدة في صورة المصلحة ، وإنّ الجماعة والائتلاف من الأصول الشرعية الكبيرة الّتي لأجلها يُضحّى بأمور كثيرة مع أنّها من الشّرع ، مثل ظلم الوالي وتعديه واستبداده ، فهي أمور منكرة عظيمة لكنّ الجماعة والاتّفاق معها خير من الفرقة ولو فرض أنّها أنهت الاستبداد والظلم .
ولهذا كان ابن مسعود رضي الله عنه كثيراً ما يردّد « أيّها النّاس ، عليكم بالطّاعة والجماعة ، فإنّها حبلُ الله الّذي أمر به ، وما تكرهون في الجماعة خير ممّا تحبّون في الفرقة » .
وروي أنّ عمر قال لأبى موسى – أو ابن مسعود- :«أما بلغني أنك تفتي الناس ولستَ بأمير؟ قال:بلى، قال: فولِّ حارّها مَن تولى قارّها» ومعنى هذا أنّ فتوى النّاس مع وجود أمير قد يختار غير ما يفتي به المفتي يولّد الخلاف ، فإذا أفتى الأمير وجب على غيره أن يصمت .
وهذا الأمر أكثر ما يتعلّق بالأمور العامّة أمّا ما يتعلّق في عبادات الناس وتصرفاتهم بينهم وبين الله فهذا شأن آخر .
لقد فتح وليّ الأمر حفظه الله الباب لأهل الشّريعة لضبط هذه الخطوة حين قيدها بالضوابط الشّرعيّة ، وبهذا أصبح من الواجب التعامل مع القرار في إطار هذا الواقع ، وقد تعلّمنا من التّاريخ أنّ كثرة الخلف والخلاف لا تغيّر الواقع بل تزيده سوءاً .
بينما السّمع والطّاعة وإظهار الإتفاق وإبطان الخلاف محمود العواقب، ولا يجوز أن تكون أفعالنا قابلة لإستفزاز المخالفين ، وقد رأينا كيف تكلّم بعض السّفهاء والسّفيهات معلقين على القرار وإظهاره في صورة الضربة القاصمة لظهور العلماء وأهل الشّرع ، وكلّ هذا استفزاز يُراد منه إظهار أهل العلم والدين بصورة الجبهة المعارضة تمهيدا لزرع بذور الفتنة واستعداء المتدينين خاصة من لا عقل عنده ليقوموا بأفعال تشغل الدولة عن العدوّ الحقيقي الّذي يتربّص بنا في شرق الأرض وغربها !
علينا الكف عن إظهار بطولات زائفة وتولي زعامات غير حقيقية من خلال صورة العالم المتصدي للسلطان ، لأنّ المسألة لا تستحق كلّ هذا الشّحن إذا تعاملنا معها من خلال المنهج الشّرعي ، فإنّ افتعال معركة مع ولاة الأمور حول مثل هذه القضيّة تصرّف مفتقر للحكمة ، وسيفضي إلى خسارة الدّعوة لأصوات علمية ودعويّة نحن بأمسّ الحاجة لها ، والتفرغ لمثل هذه المسائل والظهور بها سيكون عاقبته على الفرد نفسه وعلى الدّعوة غير محمودة والأمثلة قريبة حاضرة لا أحب تعيينها منعا للحساسية .
أسأل الله تعالى بمنّه وكرمه أن يجنّب بلادنا الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يدرء عنها شر الأشرار وكيد الفجّار .