إبحار في الفضاء
عبدالله سافر الغامدي ـ جدة
تعد شبكة الانترنت أكبر مخزن للمعلومات في العالم ، إذ تحتوي على أكثر من ثلاثين مليون موقعاً ، تتناول كافة المجالات، وتحتوي على جميع التخصصات والاهتمامات، وهي التي تنمو يومياً بشكل رهيب جداً ؛ حتى إنها جعلت العالم كله في غرفة سكنية واحدة ، وليس في قرية صغيرة، فالإنترنت نافذة مفتوحة نطل منها على العالم كله، والمعلومات التي تضخ فيها ؛ يصعب على المستخدمين متابعها، بل وتقف الحكومات عاجزة عن مراقبتها.
وهي من أقوى الوسائل الإعلامية تأثيراً، وأكثرها نمواً وانتشاراً ، إذ يصل عدد مستخدميها إلى أكثر من أربعمائة مليون مستخدم، والذين يبحرون فيها بحرية مطلقة؛ متى ما يريدون، وكما يريدون، وبما يريدون، إذ ليس عليها رقيب؛ سوى خالق الأرض والسموات.
وتتضمن الشبكة الاليكترونية مواقع حكومية وأهلية وشخصية، ومنتديات ، ومدونات ، ومجموعات بريدية، وصحافة اليكترونية، وغرف صوتية ومرئية، وقنوات إعلامية، ومخازن للكتب والبحوث والمطبوعات والإحصائيات، ومواقع للأسواق والألعاب، وأخرى للتواصل الاجتماعي ، وجميعها نوافذ مجانية مفتوحة طوال الليل والنهار، لكافة الفئات، ولجميع الجنسيات، وبمختلف اللغات.
الشبكة العنكبوتية شبكة ساحرة للعيون، جاذبة للنفوس، تأخذ بنواصي العقول، فيها كل غث وسمين، وحسن وسيء، ونافع وضار، وصالح وفاسد، وهي تشبه الغابة الواسعة الكثيفة ، التي فيها أشجار مثمرة وفيرة ، ونباتات مزهرة جميلة، لكن فيها أخرى مسمومة، أو مؤذية، أو غير مفيدة، وهي كذلك لا تخلوا من وجود الأفاعي والحشرات ، وذوات المخالب والأنياب، مما يستوجب الاحتراس، وأخذ الحيطة والحذر.
فعلى هذه الشبكة آلاف مؤلفة من المواقع النبيلة، والصفحات الجميلة ، التي تحتوي على مساهمات ناضجة، ومشاركات راقية، يقف خلفها مرتادين فضلاء ، ومشاركين أخيار ـ من أمثالكم ـ؛ هدفهم بيان العلم، ونشر النور، وزرع الخير، ومعالجة الأضرار، وتصحيح الأخطاء.
وفي مقابل ذلك؛ هناك مواقع سوداء ، وصفحات ملوثة؛ تنشر الضلال والظلام، أو تزرع العصبية والعنصرية، أو تبيح الحرام، وتقيم الفساد، بالإضافة إلى وجود مخربين على هذه الشبكة؛ شغلهم الشاغل تدمير المواقع، واختراق الأجهزة، والنصب على الناس بحيل مختلفة، (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً)، (الأعراف: 58).
فإذا أردت الأجر والمثوبة، والمتعة والفائدة ؛ فساهم في هذه الشبكة بمساهمات طيبة كريمة ، تخدم بها دينك وإخوانك، وترفع بها رصيدك وقدراتك، مع الاحتراس من الصفحات الوضيعة، والمواقع الرخيصة؛ التي يضعف بسببها دينك، أو يختل بها تفكيرك، لا تساهم في دعمها، ولا تشارك في الدعاية لها، فإن “…. من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعهُ لا ينقصُ ذلك من آثامهم شيئاً” .
أما إن كنت تكثر الجلوس على الانترنت الساعات الطوال، وتتألم لأجله عند الفراق ؛ فأنت مصاب بالفتنة التقنية (الإدمان على الإنترنت)؛
وهذه علاجها لديك وفي يديك ؛ عيّن لها وقتاً محدداً لا تحيد عنه، ولا تزيد عليه، بحيث لا تخل فيه بواجباتك الدينية، ولا تُضيِّع بسببها مسؤولياتك الأسرية، ولا أمورك المعيشية ، وإن وقعت أثناء تجولك في صفحة سيئة؛ فعجل بالامتناع، واستتر منها بحجاب ، فكل الحوادث مبدأها من النظر، ومعظم النار من مستصغر الشرر، كم نظرة فعلت في قلب صاحبها، ولا مرحباً بسرور عاد بالضّرر.