حسناً فعلت الدولة عندما طالبت وشددت بتحديد سقف مالي للمبالغ المدفوعة مقابل العفو عن محكومين في قضايا القصاص، وكان مفاجئاً لكثيرين ما سبق أن نشرته بعض صحفنا عن قرار ملكي صدر قبل أربع سنوات يحدد الحد المالي الأعلى بـ «500» ألف ريال، لعدم إرهاق أسر المحكوم عليهم وجعلهم يطرقون كل الأبواب المشروعة وغير المشروعة لتحصيل المبلغ، ومنها ما كنا نراه من مناشدات عبر الصحف ومخيمات لجمع التبرعات وغيرها.
لكن الهدف السامي الذي لم ننتبه إليه بعيدا عن المبلغ المالي هو أساساً أن يكون العفو إذا حصل خالصاً لوجه الله فعلاً وليس كما نسمع مقابل ملايين الريالات وقطع أرض وسيارات فخمة، وهو ما حول القضية إلى تجارة غير مقبولة، يروح فيها دم الضحية مقابل ريالات، ويعود القاتل وكأنه لم يفعل شيئاً.
فظاهرة طلب مبالغ خيالية تحولت إلى تعجيز ومغالاة، أفقدت العفو معنى أسمى ما فيه، وهو عفو المقدرة الذي هو خلق إسلامي أصيل من شيم الكرام، وهو حق خاص لا يمكن لأحد التنكر له أو إنكاره، وإصلاح ذات البين خطوة جديرة بالاحترام، توجتها حكومة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز من مجهود فردي أو قبلي يتولاه مشايخ ووجهاء وفاعلو خير إلى مجهود مؤسسي اجتماعي، يعالج الأمور من وجهة نظر شرعية وعادلة تراعي أولياء الدم، وتحثهم على بذل الخير وتكليله بالعفو، بدون إجبار أو إرغام. ولقد سمعنا عن جهود كثيرة وعلى مستويات عالية لإقناع ذوي القتيل بالعفو وفشلت، في ظل إصرارهم على تنفيذ الحد الشرعي، وهو ما حدث.. في دلالة على أن تطبيق الشريعة فوق الجميع وليأخذ كل ذي حقٍ حقه ….. {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب}.
الدرس الأهم الذي يجب أن نستخلصه بعد كل ذلك، هو تتبع أسباب زيادة الجريمة خاصة جرائم القتل التي تحدث لأتفه الأسباب في مجتمعنا، وهو ما يجب أن يتم بحثه عبر دراسات اجتماعية ونفسية متخصصة، تنشر ويعرفها الناس، بالضبط كما تعاملنا مع ملف الإرهاب بشفافية ووضوح، حتى استطعنا كمجتمع حكومي وشعبي أن نتكاتف ونتخندق لمواجهته علينا أن نتعامل مع ملف الجريمة بنفس الروح، ونعترف بوجود قصور لدينا وأسباب وضغوط تنذر بوجود جرائم تصدمنا وتهزنا، ولا يكفي رمي التهمة على مرض نفسي يحتاج هو الآخر لمعرفة أسبابه وطرق علاجه.
Fatimaaq@hotmail.com