– الشباب ,,, وما أدرئك ما الشباب ؟ ,,, كلمة دائمة التداول والتناقل والأخذ والرد في مكنوناتها ومعانيها وفكرها وحالها وطاقاتها واتجاهاتها وأهدافها ومستقبلها ,,,, الشباب تحمل في طياتها الكثير والكثير من الأحلام والآمال والطموحات للذات والمجتمع والأمة أجمع فهم أمل كل شيء وبهم يتحقق كل شيء حتى أن الجميع يراهن الجميع على الشباب وبهم ترتفع الأمم إلى الأعالي أو تهوي إلى مكان سحيق ,,, حتى أن (ربيع العرب 2011م) تم ربطه بهم لتزيين الأمر وجعله سائغا للمتآمرين لأن مفهوم شباب يعطي كل ذي أمر طابع المشروعية حتى لو كان فيها تمييعهم وتخريب أوطانهم وتعتيم مستقبلهم .
– الشباب فيما مضى كان أمل الأمة العربية الإسلامية وبهم أرتقت إلى المعالي واعتلت أعلى السلالم المجتمعية والاقتصادية والعلمية ,,, ثم تدرجت الأمور بعد ذلك حتى أصبحوا في الماضي القريب شباب يحمل أمل الأمة وتتحمل الأمة آلامه فأصبح الشباب (ألم وأمل ) بعد أن حشر في وسطه المستغربون والمخططون والمتآمرين آلام يثقل كاهل كل شاب مع وجود شباب مازال يحمل في قلبه كل همٍ لهذه الأمة فأختلط عليهم (الآلام والآمال) ,,, غير أن الأحداث الأخيرة في وطننا العربي أفرز لنا شباب كله آلام في آلام ,,, فآلام الأفكار الدنيوية على آلام التدني في العلوم الشرعية والتشريعية على آلام تقليد الغرب على آلام اللهث خلف الدنيا ومغرياتها ورميهم خلفهم يوما ثقيلا ,,,
آلام تضاف إلى آلامهم والتي أثقلت كاهلهم من تراكمات الأوضاع الاقتصادية والسياسية والفكرية التي أجبرتهم على التعامل معها ظروف العولمة العالمية والنظام العالمي الجديد ,,, فأصبح شبابنا فارغ الرأس خاوي الفكر لا هدف له أو منهاج يسيره أو هدف يسعى إليه ,,, فأصبح يختزل في بدنه طاقة سلبية لا يعرف كيف أو متى أو لماذا يستنزفها وفي أي مكان يستطيع أن ينفقها ,,, أصبحت عقولهم لا تشغلها إلا الملهيات الدنيوية وكيف يمكنه أن يصبح ثريا أو يجمع مالا ويقتني أحدث الأجهزة الالكترونية ويلبس أفضل الثياب ويقص أحدث القصات ويقلد الغرب في كل حركاتهم وأفكارهم واتجاهاتهم ويتفاخروا بأنه أقتنى أحدث الألبوم للفنان (الفلاني) أو الفنانة (الفلانية) وغير ذلك من أفكار يمكن أن نطلق عليها مأساة ,,,
فيا له من ألم يضاف إلى آلامهم ,,, فلو تسأل أحدهم عن معلومات كروية أو غنائية ستجده يعطيك تفاصيل دقيقة ربما نطلق عليها (مخيفة) من الزخم الهائل من الثقافة (ولكنها للأسف سلبية غير أنه لو تطلب منه مسألة بسيطة في علوم الدين تجده يحك شعره منكسا رأسه راسما ابتسامة خجل على وجهة فلا يكاد أن يطلق أي مبرر لهذا المستوى الهزيل من الثقافة الدينية .
– يسرد لنا الدكتور محمد العريفي ( أستاذ الأديان والمذاهب المعاصرة في جامعة الملك سعود / المملكة العربية السعودية) بعض المآسي التي تقابله فيما يخص موضوع الشباب فيذكر لنا في كتابة (نهاية العالم ص79) :- ( سألني أحدهم يوما هل يجب الوضوء قبل صلاة النافلة أم أن الوضوء واجب لصلاة الفريضة ؟! فعجبت من سؤاله ,,, وما زاد عجبي عندما عرفت أنه سنة ثالثة جامعة ) ,,,
ثم يعقب على ذلك بأن السبب هجرانهم لحلقات العلم الشرعي أو الإطلاع على الكتب والمنشورات في هذا الجانب إلى الملهيات وأمور معاشهم وحياتهم . انتهى كلامه ,,,,
فماذا يعني أن مثل هذا السائل المتعلم المثقف وصل إلى مرحلة متقدمة من العلم الدنيوي لا يعلم أبسط الأشياء في علوم الدين (أساس الحياة والخلق ) ,,, أم أن هذه مبشرات للحياة المدنية المعاصرة التي يسعى إليها الكثير من شبابنا وكأنهم لم يكتفوا بحالة الجهل المفرط التي وصلوا إليها ويريدون أن يصبغوا على أنفسهم صبغة رسمية سياسية في هذا الجانب ,,, فهم بالفعل ألم يضاف إلى ألم .
– كنا في الماضي القريب ندرس في مدارسنا التعليمية والتي نعلم تماما أنها تحتوي شيء يسير من العلوم الشرعية ولكننا كنا نعوض هذا الجانب خلال أشهر إجازاتنا الصيفية (في الغالب) أو خلال المساء في بعض حلقات العلم في المساجد القريبة فلا يكاد تنقضي سنين دراستنا المدرسية (الإبتدائية والثانوية) إلا ولدينا من العلوم الشرعية الكثير والكثير عوضا أننا لم نفرط في دراستنا المدرسية ثم الجامعية وهكذا أصبحت حياتنا واتجاهاتنا حتى أن مننا من أصبح دكتور وآخر مهندس وثالث محاسب وغير ذلك من أمور الحياة ولكننا نتمتع بالأساسيات الدينية العلمية والعملية والتي تفيدنا في مشوار حياتنا لأننا على الأقل نفاخر بكوننا ضمن الذي وصفنا إيانا ربنا {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ }آل عمران110 .
فكيف نكون خير أمة لا تفقه في أمور دينها البسيط منها واليسير,,, فكان نتيجة لتخلينا عن هذه الحلقات الدينية شباب لا يفقه أساسيات العلوم الدينية إلا ما يتم تعاطيها في المدارس كونها متطلبات للنجاح في نهاية السنة ثم تذهب أدراج الرياح وكما لاحظنا من قصة الدكتور العريفي مع طالب ثالثة جامعة عوضا أن أحد الذين أعرفهم وخلال سفرنا مع بعض توقفنا لنصلي المغرب والعشاء (جمعا وقصرا) فسألني حائرا أعرف أن العشاء القصر ركعتين ولكني محتار في قصر صلاة المغرب !!! ولأنه يفقه شيء في الدين أن قصر الصلوات في السفر إلى النصف ,,, فقد أحتار في صلاة المغرب فقط كونه يفقه أيضا أن قصر صلاة الفجر من ركعتين إلى ركعة وهكذا تستمر المأساة خاصة لو تعلمون أن هذا (سيتخرج بعد سنوات طبيب بشري) ,,,فأي مأساة وأي ألم نحن نعيش فيها وأي أمل نتمناه من شباب لم يعد لديه من الأمانة ما يمكن أن يتحمل مسئولية آخر الأديان السماوية الربانية أساس وجودنا في هذه الدنيا ثم تجده يلهث خلف الدنيا حتى لو قدم حياته ثمنا لهذه الدنيا !!! فيا ليت قومي يعلمون حجم المأساة التي نعيش بداية أيامها !!!