المحليةالمقالات

الفوضى الإعلامية الخلاقة

تناول خبراء الإعلام مجموعة من الأسس والقواعد لقيام مؤسسة إعلامية ناجحة تعتمد مفهوم المهنية الإعلامية جعلوا في مقدمتها تأهيل الكوادر البشرية والارتقاء بوعي الإعلاميين وتطوير معارفهم ومهاراتهم لترقية الأداء والإبداع من خلال مراكز للتدريب والتطوير التي ينتظم فيها الإعلاميين بمختلف وظائفهم وأقسامهم كالتحرير والبرامج والإدارة وحتى أقسام الإعلان والتسويق والتوزيع، ولا تقتصر وظيفة المركز على التدريب وحسب، بل يعنى بمتابعة المستجدات العالمية واستيعاب ومواكبة التقنيات الحديثة في وسائل الاتصال .

ومع التدفق الإعلامي العربي الرهيب خاصة بعد ظهور الفضائيات الخاصة المتحررة من قيود المهنية والحرفية الصحافية ومواثيق الشرف الإعلامية باعتبارها مواثيق غير ملزمة قانونياً في العرف الدولي تضاءل الالتزام بهذه المواثيق التي تحرص على إظهار التضامن والوحدة العربية واحترام السيادة الوطنية للدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وعدم تحويل الإعلام إلى أداة للتحريض على استعمال العنف والالتزام بالمعايير الأخلاقية وعدم التجريح للشخصيات والهيئات الوطنية وتوخي الصدق والموضوعية في نشر الأنباء والتعليقات وعدم الانحراف بالجدل عن جادة الاعتدال حرصاً على قدسية الرسالة الإعلامية وشرفها مع دور الإعلام الأساسي في الحفاظ على الهوية العربية والإسلامية وصون اللغة العربية من مزالق العامية .

وقد أدى تدخل رأس المال في الصناعة الإعلامية إلى بروز إعلام عربي يعمل على هدم كل هذه القيم والمواثيق الإعلامية حيث يدار الإعلام العربي حالياً من قبل أفراد وجماعات وكيانات لا علاقة لها بالمهنة وغالباً ما تدعو للعنصرية والمذهبية والتعصب الديني والتناحر والتحريض على إلغاء واستئصال الآخر ورميه في مزبلة التاريخ، فلم يعد الإعلام ملتزماً باللغة العربية والهوية الجامعة للأمة بل عملت الفضائيات على ترسيخ العامية والابتذال وتحولت بعض الفضائيات إلى كباريهات وصالات للرقص والمجون . .

وأمام هذه الفوضى الإعلامية الهدامة ينبغي على كافة الحادبين على الإعلام المهني والحرفية الصحافية نفض الغبار عن مواثيق المهنة وتفعيل مواثيق الشرف والعمل الإعلامي السابقة وبعث الروح للميثاق الإذاعي العربي (عمان 1970م) وميثاق الشرف الإعلامي العربي (تونس 1977م) وميثاق العمل التلفزيوني بدول الخليج (الرياض 1980م) وميثاق الشرف الإذاعي الإسلامي (الكويت 1982م) وميثاق الشرف الإعلامي لأجهزة الإعلام الإسلامية (جدة 1988م) وغيرها من المواثيق اللاحقة التي تحفظ للأمة العربية والإسلامية هويتها مع الالتزام بالحريات الإعلامية المسؤولة فالفوضى الإعلامية الماثلة لا تصنع أمة خلاقة .
هناك موجة من التسيس الإعلامي وتوظيف الخبر الصحافي وفق صياغات معينة لخدمة أجندات سياسية أدى لغياب تام للموضوعية والمهنية الإعلامية المنشودة ومع ارتفاع سقف الرقابة والضوابط المهنية تحول الإعلام العربي إلى ساحة سجال دائم وجدل بيزنطي وحوار “طرشان” حيث تسود المشاحنات وتصفية الحسابات مما أدى لظواهر سلبية عديدة خاصة عندما يتحول السباب والشتائم والتعدي اللفظي إلى عنف واشتباك بالأيدي عبر الفضائيات وهكذا تبرز الحضارة العربية وثقافة الحوار عبر وسائط الإعلام وكأننا أمة خرجت من كهفها للتو في القرن الواحد والعشرين !! .

إبراهيم عيسى هدل

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الاخ ابراهيم سعداء وانت تتحفنا عبر هذه الصحيفة المكاوية العريقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى