المحليةالمقالات

صناعة الإنسان في آية

[RIGHT][COLOR=#FF0026]صناعة الإنسان في آية[/COLOR] [COLOR=#0005FF]د. منيف حمود المطرفي[/COLOR][/RIGHT]

لست من المفسرين ، ولم أقرأ تفسيرا على يد أحد المشائخ الموقرين ، إنما أنا أحد المسلمين الذين أمرهم الله تعالى بتدبر القرآن الكريم ، قال تعالى : (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْكَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِاللَّهِ لَوَجَدُوافِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) النساء(82)، وقال تعالى : (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أقْفَالُهَا) محمد(24)، ونعلم أن الإنسان محور اهتمام المنظمات وسبب نجاحاتها وإخفاقاتها ، وما خلا كتاب إداري من ذكر الإنسان وطرائق الحفاظ عليه و تنميته ؛ بما يحقق للمنظمة أهدافها ورؤيتها ورسالتها من خلاله ..
صناعة الإنسان اتضحت لي في آيات عظيمة من القرآن الكريم ،والتي لو انبرى لها العارفون لاستخرجوا منها الحلل النفيسة التي تغنينا عن الغث الذي نجده هنا وهناك .. ففي سورة ( طه ) آيات بينات تتحدث عن صناعة الله لموسى عليه السلام والتي فيها عبر ودلالات ما الله به عليم ، قال تعالى : (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي ﴿٣٩﴾ إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَنْ يَكْفُلُهُ ۖ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ۚ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ۚ فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يَا مُوسَىٰ ﴿٤٠﴾ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ﴿٤١﴾ اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ﴿٤٢﴾

مما سبق وجدت بذارا لو وعاها القادة والمديرون والرؤساء لحفظوها ونقلوها ونفذوها ، وسيجنون منها ثمارا ناضجة تتمثل في إنسان فاعل كفء ، فقيل أن جودة الثمار من جودة البذار ، وليس في الدنيا خير من كلام الله لنبدأ منه غراسنا ونعود إليه عند جني ثمارنا ، فإليكم بذار صنع الإنسان المستوحاة من الآيات الكريمات :
(1) المحبة : قال تعالى : (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ) ، والمحبة ليست ميل طبيعي اقتصرت على العاطفة فقط ، بل يجب أن تكون متعلقة بالوجدان والعاطفة والعقل والإرادة والعمل ، فأصل الإبداع وتحويل المدخلات إلى مخرجات بعمليات ذات جودة عالية هو محبة القائد للموارد البشرية ، وثقتهم في هذه المحبة ، وبانتفاء أو نقص المحبة سيظهر الخلل في النظام عاجلا أو بعد حين .

(2) الكفالة : قال تعالى : (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَنْ يَكْفُلُهُ) ، فاحتضان القائد والمدير والرئيس للمورد البشري ركن ركين من صناعته والعناية به ورعايته ، ولنا شواهد في ذلك ككفالة بعض المنظمات المعاصرة لموارد بشرية من الصغر .
(3) الاهتمام ببيئة المورد البشري : قال تعالى : (فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ) ، ما أعظمك ربي ، فبيئة الإنسان المحيطة به شئنا أم ابينا لها أثر بالغ على أداء الإنسان ، والقائد الحصيف يهتم بهذا الجانب ويوليه عنايته لأثره المتعدي .
(4) الحماية : قال تعالى : (وَقَتَلْتَ نَفْسًافَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ) ، فالقائد البصير هو الذي يعتمد الحماية الوقائية لمن معه بنشر القيم وغرسها ليصل إلى مرحلة التبني ، إضافة إلى الحماية العلاجية التي تقف إلى جانب المورد البشري عند الزلل والخطأ ، وذلك باحتضانه وإرجاعه إلى الصواب ، ومن أعظم الحمايات الوقائية في تاريخ البشرية هو تربية الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه ..
(5) الاهتمام على الأمد الطويل : قال تعالى : (فَلَبِثْتَ سِنِين فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) ، فالقادة والمديرون والرؤساء الذين يبنون أمالهم على إنسان لفترة محدودة يكتنف نظرتهم قصور ، فالآية الكريمة تدلنا على أهمية الرعاية الممتدة لآجال طويلة ، ولن يكون بناء الإنسان والإفادة منه وليد صدفة أو وليد تحضيرات سريعة .
(6) الانتقال من الرعاية الجزئية إلى الرعاية الكلية : فتأمل قوله تعالى : (وَلِتُصْنَع عَلَىٰ عَيْنِي ) ،وتأمل قوله تعالى في أواخر الآيات :(وَاصْطَنَعْتُك لِنَفْسِي ) ، فالقائد العظيم هو الذي يتدرج في المحبة ومنح الثقة ، فتأمل ( العين ) في الآية الأولى ، وتأمل ( النفس ) في الآية الثانية ، فسبحانك ربي ما أفصح كتابك ، وبيان قولك .

وبمراجعة سورة القصص ستجد أخي القارئ مذكرات تفسيرية لموجز الآيات السابقة ، فالاهتمام بالبيئة هناك تفسير لها في الآيات من( 6-13) ، والحماية هناك تفسير لها في الآيات (15-21) والرعاية على الأمد الطويل هناك تفسير لها في الآيات ( 22-29) ، فتدبر !

وبعد عرض البذار ، وجب عرض الثمار ، فكانت الثمرة في التالي :
(*) التمكين : حيث أنه بعد هذه المراحل المتوالية من المحبة والكفالة والاهتمام بالبيئة والحماية والاهتمام على الأجل الطويل والانتقال من الرعاية الجزئية إلى الرعاية الكلية ، جاء دور التمكين ، فقال تعالى : (اذْهَبْأَنْتَوَأَخُوكَبِآيَاتِيوَلَاتَنِيَافِيذِكْرِي ) ، والقائد العظيم يبدأ التمكين بمهمات بسيطة كنوع من تبادل الثقة بينه وبين المورد البشري ، مع الاختبار والفتنة والابتلاء في بعض المواقف ، قال تعالى : (وَفَتَنَّاكَفُتُونًا) ، سئل الإمام الشافعي رحمه الله : [ ايهما أفضل للرجل أن يمكن أو يبتلى ، فقال : لا يمكن حتى يبتلى ) ، ومن شواهد التمكين الذي وجدته لموسى عليه السلام في سورة القصص ( 34-35) التوصية باختيار المعاونين الموثوقين ، بأن أوصى باختيار أخيه هارون وزيرا رسولا ..

ما سبق ليس تفسيرا ، إنما هو استنباط واجتهاد توصلت إليه وسعيت إلى نقله إلى معاشر القراء ، ليعلموا يقينا أن المجلدات والكتب والمجلات والمقالات ، التي تبين وتشرح وتعلم كيفية صيانة الإنسان والموارد البشرية في آيات معدودات بقدرته وعلمه ، والسؤال هنا :هل يستطيع القائد والمدير والرئيس أن يجعل هذه البذار خارطة طريق في منظمته ليجني منها مخرج متقن ؟ والله ولي التوفيق من قبل ومن بعد .

تعليق واحد

  1. اخي الفاضل د. منيف حفظك الله

    لقد تجاوزت حدود الابداع بحبر قلمك الماسي , لا يسعني الا ان امر صامتا امام عظمة هذه الكلمات الرائعة .. يا رائع
    دمت بود ولا عدمنا طلتك

    اخوك المحب .. سعيد السهيمي

  2. مقالة رائعة يادكتور منيف .. وحق لنا أن نأخذ هذه البذار المباركة التي ذكرتها في مقالتك حتى ننهض بها ونتقوى .. و بارك الله فيك ونفع بك الإسلام والمسلمين ..

    أخوك حمد فيحان .
    المنسق الإعلامي
    مستشفى النور التخصصي
    مكة المكرمة
    @HamadFeehan

  3. أخي الفاضل / د. منيف حفظك الله

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    يقال لكل إنسان نصيب من اسمه أما أنت فلم تترك من اسمك معناً الّاوقد إحتويته بقلمك وخلقك فأنت بحق ( منيف ) ومرتفع .

    فيراعك غذاء أرواح وأسلوبك سهل ميسر ومعلوماتك نبع ينهل منه كل ذوعقل وقلب فرفع الله قدرك في الدارين.

    [FONT=Comic Sans MS] فأصل الإبداع وتحويل المدخلات إلى مخرجات بعمليات ذات جودة عالية هو محبة القائد للموارد البشرية ، وثقتهم في هذه المحبة ، وبانتفاء أو نقص المحبة سيظهر الخلل في النظام عاجلا أو بعد حين .[/FONT]

    لك مني كل تقدير ومحبة وود

  4. مبدع دائما يادكتور منيف
    جزاك الله عنا خير ولكن أتمنى أن يستفيد من هذا الكلام وغيره الذين ولاهم الله أمرا من أمور المسلمين

  5. أخي وزميلي الدكتور منيف سلمه الله عودتنا على التميز دمت موفقا . وأدعوك للاطلاع على تفسير سيد قطب رحمه الله.

  6. بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين , نبينا وقدوتنا محمد بن عبد الله , عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأزكى التسليم ,,
    مقال رائع كروعة من خطّته أنامله ,,
    لا شك أن القران الكريم هو المنهج الأساسي الذي نستقي منه العلوم والمعارف ,, فهو ليس مجرد آيات نقرأها , بل لا بد أن تكون القراءة مقرونه بتدبر وتفكر فيما يحويه من آيات عظيمه !
    هنيئآ لنا بك يا دكتور : منيف المطرفي ,, ونفع بعلمك ,,

  7. استنباط قد يكون جيد،ولكن مدار الآية حول اصطناع الله تعالى لنبيه موسى _عليه الصلاه والسلام_ .. قد لايتأتى ذلك للبشر ، لمايكون فيه من التطاول على المقام الالهي .

  8. استنباط رائع دكتور منيف ، اتفق معك في محطات خارطة الطريق ( المحبة – الكفالة – الاهتمام بالبيئة – الحماية – والتمكين ) واعتقد ان آيتي 0 ولتصنيع على عيني 0 و 0 اصطنعتك لنفسي 0 هما دليل المحبة والكفالة
    في رأيي هذه الخارطة تلزم المؤسسات باختلافها في صناعة الموارد البشرية وأولها المؤسسة الأسرية التي غالباً ما تمر على بعض المحطات و تغفل البعض ، حيث تعطي المحبة والكفالة والحماية الى اجل وتغفل الاهتمام بالبيئة والتمكين
    شكرًا على هذا المقال المثري

  9. أخي الكريم د/منيف المطرفي وفقه الله
    من باب تصفح المواقع أخترت صحيفة مكة , وشدني التصفح فيها لإيقونة المقالات وقرأت معظم المقالات فيها إلا أنه ومن الإمانة وجب علي أن أسطر لشخصكم الكريم شكري وتقديري بما شاهدت وفي الحقيقة أني كنت في حاجة لبعض المفردات لموضوع خاص بي وأستفدت منها كثيراً . شكراً بارك الله فيك

  10. اسلوب بديع وايجاز رفيع. بارك الله فيك ونفع بعلمك وعسى ان يقتدي من ولي امر المسلمين بهكذا خصال حتى نجني ثمرة صالحه من بذرة صالحه في المستقبل القريب ان شالله ولك بالغ الشكر والاحترام، دكتور منيف .

  11. سعادة الأخ الكريم العالم العلامة د. منيف
    سرني مقالك الكريم وما حواه من بلاغة وفصاحة وبيان بديع، و قد تلوته فرحاً وقرأته منشرحاً، وسري السرور في نفسي سريان الروح في الجسم والماء في العود، وإذا بي أنشد:
    في كل فترة لكــم أيد نـطالـعـــــــــــها في الخير تبذله فيـنـــا فيحميـنا
    هذه مآثركم كــالـزهر وارفــــــــــــــــــــة والخير كله منك لنـــا راويــــنــــــا
    لازلت تكتب والخيرات تكنفـــتـــــــكم ونور علمك في الآفاق يهدينا
    دم في الحياة قرير العين مبتهجاً والفخر تاجكم يزداد توطــــيــنــا

  12. بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
    أستاذي الفاضل أبا نايف من الرائع التدبر في كلام الله العزيز الحكيم واستنباط الحكم والفؤاد ومن الأروع هو ما تدعونا إليه من تطبيقها في الواقع الذي لا يخلو من فائدة مستقبلية مرتجاة
    وشكرا لك

  13. مقال ثري وجدير بالاهتماه والقراءة شكرا يادكتور وننتظر المزيد

  14. قد يكتب الكثيرون ويتميز القليلون . ومن تمير القليلون تميز مقال الدكتور . منيف المطرفي . مقال يشدك من البداية إلى النهاية وهذا ليس بمستغرب على قامة تربوية وإعلامية من أخي الدكتور منيف المطرفي . أتمنى من الله العلي القدير أن يوفقك . وأن نرى إبداعاتك في كل مكان .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى