المحلية

ولله في خلقه شؤون

[RIGHT][COLOR=#FF003E]ولله في خلقه شؤون…!![/COLOR] [COLOR=#4800FF]مصطفى قطبي[/COLOR][/RIGHT]

لا يوجد أسهل من الكلام بخاصة وأنه لا يتطلب أي جهد سوى حفظ بعض المصطلحات والكلمات المأخوذة من هنا وهناك… ثم أن الكلام لا تُفرض عليه ضرائب ولا رسوم ولا تأتيك فاتورة كفاتورة الكهرباء عالية التوتر وفاتورة مياه مرتفعة الثمن ومقننة الكمية… الكلام السهل هو المشكلة والمقصود بالسهل هو أن يستسهل المرء الاستهتار بغيره ولا يقدر قيمته ووزنه ويعتقد أن كل الناس مثله بوزن الريشة بكل شيء وأن كل الناس تمارس الخديعة وكل الناس غير أوفياء والكل يصطاد بالماء العكر وغير العكر… المهم التلفيق والمهم تصفية الحسابات والشاطر من يتبرع بأن يذهب لتأمين أدوات الاصطياد لأن لمثل هؤلاء أيضاً واشون متملقون مؤقتون وهذا هو طبعهم وليس تطبعهم لأن مهنتهم لهؤلاء ولغيرهم ممن يأتي بعدهم يذهبون كالحمام الزاجل أيام زمان يحملون الرسائل وينفذون التعليمات ويفعلون كل ما يقال لهم والثمن هو أنهم الجوقة المتنقلة من بستان إلى آخر لكن المؤسف أنها بساتين مكتظة بالأشواك والأوحال لمحاولة تلويث كل ما هو جميل.

لكن حقيقة الأمر أن المسألة الجوهرية ليست في الدسائس التي تمارس من قبل مثل هؤلاء وليست في التقارير الكيدية والتعتيم على القدرات والخبرات والجهود الطيبة وتسويد صحائف غيرهم من خلال تضليل الحقائق وإنما المشكلة في الأمية التي يعانون منها بمختلف أشكالها أمية الثقافة وأمية الحضارة وأمية الوفاء والصدق وأمية تطابق الأقوال مع الأفعال وأمية اختيار فريق العمل القوي والخبير والمقبول في المجتمع وأمية اكتساب الخبرات والمعارف…
كل يوم نسمع حكاية جديدة عن هؤلاء الواشون المتسلقون الذين شغلهم الشاغل التلفيق ولعل ما يشد الانتباه أكثر من أي شيء أنك تفتقد في الرجل هنا الموقف والرجولة والتحدي والرهان على الفوز بثقة كل من حوله وصولاً إلى السعي لكسب محبة الناس بدلاً من خسارة الزمن والناس والمواقف وكل شيء دون أي ربح حقيقي أو فعل مؤثر.

أما خصال الواشي النمام، فترى صاحبنا نسي لهجته المحلية ويرطن في جملته كلمة من كل لهجة ظناً بأنه حضاري فوق العادة… أما كيف تعلم الفهلوية، فهذا ما لا نعرفه نحن أصحابه أيام زمان… لنتفاجأ بلسانه الذي فيه الحلاوة والطلاوة ما يثلج صدرك وما يسر مسمعك، بستقبلك بصدره الرحب وابتسامته العريضة حتى لا تكاد تغادر مكتبه الذي استقبلك فيه بالمرحبا بمثل ما ودعك من الحفاوة بالمرحبتين على اعتبار أنه أصبح مسؤولاً لدائرة ما…؟
صاحبنا هذا أنفه لا يخطىء… إذا شمّ رائحة أن مصلحته لديك تقرب إليك، وعلى اعتباره يستند إلى معايير المصالح، فالمقرب إليه المتسلقون النمامون… ومثله الأعلى الواشون المتملقون ليؤكد حقيقة اللوحة التي كتب عليها (المرء على دين خليله).

إذا حدث أحدهم كذب، وإذا أؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وهذا هو النفاق الخالص بذاته، تجده دائماً معتداً بنفسه، إذ يعتقد جازماً أن الرياح تجري بما تشتهيه سفنه… ولا يشق له غبار في كل شيء، فهو الفهيم وهو الكريم وهو الفقيه… وهو البليغ طالما اعتقد أن بلاغته فاقت بلاغة قس بن ساعدة، بما لديه من فقه اللغة وعلوم البديع والبيان، ما يجيز النحاة والصرفيين ألا يشدوا الرحال إلا إليه… وهو في حقيقة أمره لا يميز الخبيث من الطيب، محببة لديه هاء السكت ولا يجيد الوقوف إلا عند الساكن… لا يفرق بين الفاعل والمفعول، فهو دائماً أبداً مجرور إلى ما لا نهاية، إذا سألته عن أديسون، أجابك بأنه شاعر جاهلي فحل، وإذا ذكرت لديه ابن المقفع، رد عليك بسرعة بديهية بأن من وضع قانون الجاذبية الأرضية، وإذا تحدثت عن الشعر والشعراء في حضرته سرعان ما يؤكد لك بأنه منذ نعومة أظفاره شاعر مداح نواح، وغالباً ما ينظم قصائده على حد تعبيره على بحر قزوين المختزل… دائماً أبداً يتحدث عن إنجازاته الوهمية ونجاحاته الزائفة متناسياً أنه إمعة لا يصدق إلا حين ينام… هذا الصنف موجود بيننا ولا حول لنا ولا قوة إلا أن نقول حين نلتقيه: قل أعوذ برب الفلق.

إن مثل هؤلاء الواشون النمامون يجب أن نعرف كيف نتعامل معهم ولا نجاملهم ويجب أن نواجههم مهما كانت صفاتهم ومسؤولياتهم لأنهم من أخطر عناصر التشويش على عملنا الدؤوب والصادق وحتى عندما يكون من بين هؤلاء من هو مسؤول يجب أن نؤمن بأن المواطن عليه يكون بوصلة المسؤول ويقول له لقد أخطأت عندما يخطئ.
فهل نقول لكل من يسيء أو يمارس الخطأ أو يعمل على تضليل الحقائق أو من فرغ نفسه ووقته وامتيازاته للكيديات أنه أخطأ كثيراً وكثيراً جداً أم ندفن رؤوسنا بالتراب عندما نجامل ونكابر على جراحنا وأمراضنا بينما هناك من يرقص على هذه الجراح ويهدر الزمن والجهد والإمكانات ويحارب الطاقات المبدعة ويحتضن الضعفاء في حضنه الضعيف ولأننا نتعامل مع الجميع انطلاقاً من وجهات نظر نقدية وليس من صداقات وعداوات شخصية كما يفعل مثل هؤلاء فإننا نقول أنه لا يمكن لأي عاقل أن يعطي فرصة لقائد طائرة لم يدرس علم الطيران ولم يتدرب ولم يمارس قيادة طائرات من قبل… ثم يدعو الناس للركوب معه قائلاً: (أعطوه فرصة). ‏

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مقال في قمة الروعة لأنه موضوعي وواقعي.فمثل هذه المقالات تقوم بتنوير الرأي العام العربي وتقوم أيضا يالتوعية المباشرة للعقول.بارك الله في صحيفة مكة الغراء ولا تحرمونا من مثل هذه المقالات في كل أعدادكم القادمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى