الخطُّ يبقى زمانًا بعد كاتبهِ
وكاتبُ الخطِّ تحت الأرضِ مدفونًا
قبل أربعين عامًا تقريبًا كان هذا البيت من الشعر يتردد في أروقة دور العلم؛ لتحفيز التلاميذ للاعتناء بالخط، وتذوّقه، والعمل على تنمية هذه الموهبة، بالمحاكاة والممارسة. فالخط العربي هو أرقى وأجمل خطوط العالم؛ لحُسن شكله، وجمال هندسته، وروعة تنسيقه.. فهو يمثّل لوحة تشكيلية رائعة تكاد تنطق.. إنه السحر الحلال! لقد كان معلّم الخط الماهر في ذلك العصر يكتب بعض الحكم والمواعظ على السبورة بخط عريض، وبشكل جميل ومتناسق، مرة بخط الرقعة، ومرة بالنسخ، ومرة بالثلث.. وفي كل حصة نتعلّم شيئًا من فنون الخط العربي. وكنا لا نملّ من النظر إلى تلك العبارات والحكم والمواعظ الهادفة التي كانت تداعب مشاعرنا، وأناملنا لمحاكاة ما طرّزته أنامل ذلك المعلّم البارع.
إن بعض تلك الحكم والعبارات ما زالت راسخة في أذهاننا. لقد كنا نكتب الصفحة والصفحتين والثلاث صفحات كي نصل الى درجة الاقتناع بأن ما كتبناه حاز على رضا المعلم. لقد كان المعلّم من شدّة حرصه يمسك بيد الطالب المتعثّر ليرشده ويعلّمه الطريقة المُثلى لمسك القلم، ورسم الحروف والكلمات بشكل صحيح ومتقن. إن مادة الخط والإملاء في عصرنا الحاضر قد أُهملت من قِبل معظم إدارات المدارس، فهذه المادة غالبًا ما تُستخدم لتكملة النصاب المقرر للمعلّم وهو (24) حصة في الأسبوع، كما لوحظ أنها تسند إلى معلّمين لا يجيدون رسم الحروف والكلمات، ناهيك عن فنون الخط العربي. ولست مبالغًا إذا قلت إن البعض منهم إذا كتب موضوعًا واحدًا لصعب علينا قراءته، فهؤلاء بحاجة ماسّـة إلى الالتحاق الإلزامي بدورات تحسين الخطوط لرفع مستواهم في هذه المادة، أو على الأقل تمكينهم من رسم الحروف والكلمات بشكل واضح ومقروء. لقد تأثر كثير من التلاميذ في مراحل التعليم الأولى بهذه النماذج من المعلمين الذين لا يجيدون الكتابة، وفن الخط، فأصبحنا نشاهد كثيرًا من الموظفين وخريجي الجامعات بدرجات علمية عالية عاجزين عن الكتابة بشكل مقبول ومقروء، والسبب هو عدم الاهتمام الجاد من البداية بهذه المادة المهمة، وبعد ما تفشت المشكلة تنبّهت وزارة التربية والتعليم لذلك، فعقدت دورات في تحسين الخطوط للطلاب فقط، ولكنها في إطار ضيّق جدًا، وكنا نأمل أن تكون هذه الدورات شاملة وموسعة للطلبة، ودورات أخرى مماثلة وإلزامية للقاصرين من المعلمين في هذه المادة لتحسين مستواهم فيها، لما لهذه المادة من أهمية بالغة في وسائل التعليم والتخاطب وحياة المتعلّمين. فهل تحظى هذه المادة بمزيد من الاهتمام؟
عبد الرحمن سراج منشي
مكة المكرمة
almonshi@hotmail.com