ابتسام شقدار / صحيفة مكة الألكترونية
أكد فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة -المشرف العام على مؤسسة "الإسلام اليوم"- على أن الفضائح الزوجية في أوروبا وأمريكا تنذر بانهيار حضارتهم، مشيرًا إلى أن انهيار الحضارات والإمبراطوريات يبدأ من البيت.
وقال الشيخ سلمان في حديثة ببرنامج "حجر الزاوية"، والذي يُبَث على فضائية mbc، والتي جاءت تحت عنوان "التعايش بين الزوجين": إن الفضائح تملأ الجوَّ في أوروبا وأمريكا أيضًا، فهذا أحد الأشخاص تجده بدلًا من أن يذهب لأداء اليمين الدستورية فإنه يذهب لمقابلة عشيقة له في المكسيك، وهذا آخر يتبين أنه على علاقة مع زوجة أحد مساعديه.
[COLOR=orangered]ضجيج الانحرافات[/COLOR]وأضاف فضيلته: إنه أمام ضجيج هذه الانحرافات يكون ثَمَّة حديث مستفيض حتى في العالم الغربي عن أهمية العلاقة الزوجية والقِيَم الزوجية في بناء المجتمعات، ومن هنا يأتي هذا الحديث: « خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي » الذي رواه الترمذي عن أبي هريرة، وعن عائشة رضي الله عنها وقال: حديث حسن صحيح، وصححه جمع من أهل العلم، وكفى بهذا الحديث دلالةً على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ربط الخيرية عمومًا بخيرية الإنسان لأهله وزوجِه.
وأوضح الدكتور العودة أن مجلة تايمز أشارت في تقريرٍ لها إلى أهمية القِيَم الزوجية، على اعتبار أن انهيارات الحضارات والإمبراطوريات يبدأ من البيت أو من الأسرة، وذلك في أعقاب عددٍ من الفضائح، كمثل فضيحة حاكم كالورينا الجنوبية، هذا الذي بدلًا من أن يرسل الرسالة لعشيقته أرسلها لإحدى الصحف، فخرج على الناس وهو يبكي ويعتذر لزوجِه وأولادِه.
وأردف فضيلتُه: إن هذه القصة تذكرني بأحد أصدقائي اختلف مع زوجته فكتب لصديقه رسالة يشتكي من زوجته وأنها قالت وفعلت، وأخطأ وأرسلها لزوجته نفسها، ولكنه كان حاذقًا، فبسرعة اتصل وقال لها: جاءتك الرسالة؟ انظري كل الناس عندهم مشاكل، إن هذه من صديقي أرسلها لي يشتكي من زوجته، وتخلَّص من هذا الموقف!
[COLOR=orangered]خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ[/COLOR]وكان البرنامج في دورته الخامسة قد أطلق شعار "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ" في أسبوعه الثالث ، وقال الشيخ سلمان معلقاً: إن إحدى الجمعيات الإسلامية في أمريكا، منظمة (كير)، نشرت في مجلة "نيويورك تايمز" إعلانًا ضمن حملة إعلانية واسعة جدًّا لتغيير الصورة النمطية عن الإسلام، وهذا الإعلان يدور حول الأسرة، ويُمثِّل زوجين أحدهما رجل هندي مسلم يشتغل في المحاماة ويعمل في شركة استثمار، ويعمل في المساء مدربًا لفريق رياضي.
أما الزوجة "أمينة" فهي من إحدى دول أمريكا اللاتينية، وهي أيضًا مسلمة تدرس الماجستير في التربية، حيث تتحدَّث في هذا الإعلان عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: « خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي ».
وأضاف فضيلته: في فرنسا قام اتحاد المنظمات الإسلامية، في إطار حملة عامة، بتجمع ضخم جدًّا، شارك فيه ما يقرب من خمسة ملايين مسلم، حيث إن الجيل الثاني والثالث أصبحوا يتزوجون في هذه المجتمعات، كما أصبحت هناك حاجة ماسَّةٌ إلى التعريف بالحقوق الزوجية، بل إن هناك في العالم الغربي حتى في المجتمعات الأصلية شعورًا بالمشكلة.
[COLOR=orangered]بين القوامة والاستبداد[/COLOR]كما أكَّد فضيلته في الحلقة التي خصصت للحديث عن العشرة بين الأزواج ، أن القوامة لا تعني إلغاء شخصية المرأة، مشيرًا إلى أن القوامة ليست مشروعًا سياسيًّا يتَّسِم بالاستبداد والمؤامرة والطعن تحت الحزام.
وقال: إن القوامة مبدأٌ شرعيٌّ إيمانيٌّ اجتماعي، يقول ربنا سبحانه: " الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ " (النساء آية 34)، وهو ليس مطلقًا، وإنما هو قوامة الرجل في القضايا التي تتطلب رأيًا واحدًا لا بدَّ أن يُنتهَى فيها إلى رأيٍ واحد، فالشركة لا بدَّ لها من مدير، وكذا المؤسسة لا بدَّ لها من مسئول تنتهي إليه الأمور.
وأضاف فضيلته: ولكنَّ هذا لا يعني إلغاء شخصية المرأة، أو إلغاء الشورى بين الزوجين، أو إهدار الحقوق، بدليل أن للمرأة ولايةً في مالها ونفسها، كما أن لها اعتبارًا شرعيًّا وذمةً مستقلة، لافتًا إلى أنه من الخطأ أن نظنَّ أن القوامة تعني تسلط الرجل على المرأة أو أن المرأة ينبغي أن تكون كأنها عبدةٌ له، موضحًا أن بعضهم يحتجُّون بقوله: " وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ " (يوسف آية 25)، مؤكدًا أنها ليست عبودية، فالمرأة هي أمة لله سبحانه وتعالى، فيقال: يا إماء الله، ما قيل يا عبيد الأزواج مثلًا، وإنما هنا علاقة فيها تكافؤ وتعاون بين الزوجين بدلًا من التنازع والصراع.
[COLOR=orangered]اصطدام بالواقع !![/COLOR]وفيما يتعلق بأن الشباب يدلفون إلى باب الزوجية ويحلمون في الأغلب بخيال ثم يصطدمون بواقع آخر، قال الشيخ سلمان: هذا أكيد، ولذلك أحيانًا تجدُ أو تسمع من يقول : "إن كل إنسان له زوج يعايشه وآخر يحلم به"، مشيرًا إلى أنه ينبغي ألا تردّد مثل هذه الكلمة لأن تكرارها يوحي بأنها كلمة حقيقية ويدفع الناس إلى عدم التعايش مع واقعِهِم.
وأضاف فضيلته أنه يجب على الإنسان أن يُدركَ أنه لا حَجْرَ على الخيال والمثال والأحلام، فهذه مجردُ خواطر، لكن على الإنسان أن يعتبر أن هذا الخيال شيءٌ والواقع شيءٌ آخر، كما أن كثيرًا من الناس عندهم الصورة الخيالية لكن يحتاجون إلى طبعةٍ من هذا الكتاب تكون طبعةً واقعية طبعة حياتية فيها الحياة ومعايشة الهموم والمشكلات.
[COLOR=orangered]خيال وأحلام[/COLOR]وأوضح الدكتور العودة أن الإنسان بطبيعته إذا عايش شيئًا هان عليه، فبنو إسرائيل كان عندهم المنُّ والسلوى، ومع ذلك يطلبون الثوم والبصل والقثاء، مما يوحي بأن من طبع الإنسان أنه لو جاءه أغلى ما يتمنَّى من الأحلام لأصبح عنده عاديًّا، إلا إذا كان عنده قابلية على استنساخ معنى الحياة والاهتمام بها، فهذا شيء مهم ومؤثر جدًّا.
زِدْ على ذلك أن الإنسان بطبيعته فيما يتعلَّق بموضوع الخيال والأحلام لا بدَّ أن يكون حلمَ بشيء، فالبنت تحلم بفارس الأحلام وتتخيَّل أنه يذهب بها ويأتي ويصعد بها للنجوم، وكذلك الفتى يحلم بسندريلا ويحلم بجماليات ومُتَع غريبة، فإذا عاش الواقع بالتأكيد سيكون هناك صدمات أو مفاجآت في شريك العمر، لكن عليه أن يدركَ أن المشكلة ليست دائمًا في الواقع، وإنما المشكلة في الخيال الذي لم يكن خيالًا مرشَّدًا أو واعيًا.
[COLOR=orangered]لست واحدًا[/COLOR]وتعقيبًا على مداخلة تقول: إنه بعد حدوث مشكلة زوجية، فإن كل طرف يلقي باللائمة على الآخر، دون أن يفتِّش في نفسه، قال الشيخ سلمان: إن أول مراحل التعايش هي أن يتعايش الإنسان مع نفسه، فأنت لست واحدًا، وهذا الذي يجب أن يفهمَه الجميع، فأنت أمس غيرك اليوم، كما أن الإنسان عنده ماضٍ معيَّن، فهل يستطيع أن يستوعب هذا الماضي ويتفهَّمَه، لك مستقبلٌ تحلم به، واقعك ذاته، فاليوم قد يكون عندك فكرة ما، وغدًا عندك فكرة أخرى مختلفة.
وعلى ذلك فإنه يجب على الإنسان أن يتعايش مع نفسه، من منطلق التعرُّف على أخطائِه بدلًا من أن تتحدث عن الآخرين، فأنت زوج قد تكون عصبيًا قد أو مملًا أو ملولًا، أو مزواجًا، أو إنسانًا شرسًا متشددًا، أو مستبدًّا أو ما يسمُّونه الزوج القاضي، أو الزوج الشَّكَّاك أو الزوج الشرطي، فكِّر من أي هذه الأنواع ومن أي هذه الأصناف أنت؟ بدلًا من أن تكون القصة هي فقط إلقاء باللوم والعتب على الطرف الآخر.
[COLOR=orangered]لا للتَّكَلُّف[/COLOR]وأوضح الدكتور العودة أن أصل الزوجية والبيت هو عبارة عن رفع التكلُّف، وانتهاج العفوية والبساطة، وبناءً على ذلك فإنه يجب علينا تعلُّم البساطة وأن نتدرَّب عليها، فالإنسان في البيت قد يخلع ملابسه ويبقى عليه "ثياب البذلة" كما يسمونها، هكذا أيضًا "ثياب الأقنعة" التي يلبسها من أجل الناس أو كما يريد الناس أن يكون، وكما يريد هو أن يظهر، عليه أن يتخلَّى عنها في البيت وأن يتعرَّف على نفسه بشكل جيد، ويبتعد عن الرياء والنفاق والتكلُّف.
مقدم البرنامج: وكذلك الزوجة قد تكون حادَّة الطباع، أو عندها إشكالات معينة إلا أنها أحيانًا تُلقِي باللائمة على زوجها دون أن تفتِّش هي في قرارة نفسها.
الشيخ سلمان: وكذلك طبعًا هذا الكلام يقال عن الجميع، ما يُقال عن الرجل يقال عن المرأة على حدٍّ سواء.
[COLOR=orangered]القفص الزوجي مفهوم خاطئ[/COLOR]وفيما يتعلق بـ"مفهوم الحرية"، وأن الزواج يُقيِّد، حيث يُطلق عليه مصطلح "القفص"، وأن البعض يرى أن هذا مفهومٌ مغلوطٌ لكثير من الأزواج أو الزوجات، قال الشيخ سلمان: لا يمكنُ تسميته حرية، وإنما يمكن تسميتُه أنانيَة، فالإنسان الذي يعتبر أن الزوجية تقييدٌ للحرية هذا نوع من الأنانية؛ لأن الحرية لا يمكن انفصالها عن المسئولية ولا وجود أصلًا لحرية فردية مطلقة، وكما يقولون في المَثَل: " ليست الحرية هي أن تعملَ ما تحبُّ، ولكن أن تحبَّ ما تعمل".
وأضاف فضيلته: إنه إذا كان الإنسان غير قادر على التماهي والاندماج مع الآخر فهذه مشكلة عويصة، وتسير الإحصاءات إلى أن أعلى معدل للطلاق في العالم هو في أمريكا، وأن مشكلته الأساسية تتمثَّل في اتِّساع نطاق الحرية الفردية عندهم، ولذلك فهم دقُّوا نواقيسَ الخطر على هذه المشكلة وكذلك في أوروبا، حيث إن هناك تقارير وإحصائيات تبيّن منها أن 20% من الأزواج مندمجون مع بعضهم اندماجًا كاملًا، كما تبيّن أن 20 إلى 25% عندهم مشاكل لكن يستطيعون أن يتغلبوا عليها، فيما تبيَّن أن الباقين يعيشون مشكلاتٍ صعبةً وأنهم يُطلّقون.
[COLOR=orangered]علاقة جميلة[/COLOR]وأكَّد الشيخ سلمان أن العلاقة الزوجية هي تجربة ضخمة وهائلة ومثيرة؛ ولذلك فإن المثل يقول: "حاسِبْ قبلَ ما تُناسِب"، أي لا تتسرع كثيرًا، ولكن فكِّر مليًّا في الأمور وعالجها من جميع جوانبها، مشيرًا إلى أنه يوجد دراسة خطيرة منشورة في معظم المواقع المعنيَّة بالزواج في الإنترنت، وهذه الدراسة أُجرِيَت على أكثر من ثلاثة آلاف وسبعمائة إنسان ذكر وأنثى من شباب إلى كبار في الولايات المتحدة الأمريكية، وتابعت حالتهم عبر فترة بشكل مذهل، وفي النهاية وصلُوا إلى أن العلاقة الزوجية ذات تأثيرٍ إيجابي على الجانب الصحي، وأن الرجال الذين يتزوَّجون يكونون أقل بنسبة خمسين بالمائة من التعرُّض لأمراض الشرايين وضغط القلب، خاصةً الرجال، كما أن هناك دراساتٌ أخرى تثبِت أن النساء لها من ذلك حظٌّ.
كما أشارت الدراسة إلى أن الزوج الذي يشعُر بضغط العمل عند زوجته يتعرَّض لمشكلة أكبر، وأن الزوجة التي تشعر بالكبت ولا تتحدث عن المشكلات التي تعانيها تتعرَّض لاحتمال الإصابة بنسبة أربعة أضعاف عن غيرها، وعلى ذلك فإن العلاقة الزوجية علاقة جميلة ومفيدة؛ ولذلك علينا في سبيل الحصول عليها أن نتحمَّل بعض القيدِ، كم هو قيدٌ جميل أن يشعر الإنسان بأنه ليس وحده!
[COLOR=orangered]مجتمع النبوة[/COLOR]ووقف الشيخ سلمان وقفه شرعية مع العلاقة الزوجية في عهد النبوة وقال:
إن تناول العلاقة الزوجية في الشرع كبير جداً، ونقف هذه الوقفة مع بيت النبوة، يقول تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ)، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- سعى أن يترك شيئاً يحبه من الطعام أو الشراب أو غيره طلباً لمرضاة أزواجه، والله تعالى يُسجل هذا ويقيده بينما كثير من الرجال ربما لا يعتبر أن السعي في مرضاة الزوجة مطلب من مطالب الحياة الزوجية.
وفي السورة نفسها يقول -سبحانه وتعالى-: (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ)، وهنا إشارة إلى أنه يجب على الإنسان ألا يهتم بصغائر الأمور في الحياة الزوجية ، فكثير من هذه الأمور صغائر ، وهكذا النبي -صلى الله عليه وسلم- (وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ)، فبعض الأشياء لا تستحق أن الإنسان يقف عندها.
[COLOR=orangered]الإصغاء للمرأة[/COLOR]وأضاف فضيلته : أن الله -سبحانه وتعالى- ، يقول : (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)، فالله عز وجل يستمع إلى امرأة تشتكي زوجها من فوق سبع سماوات ، كما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا رآها أوقف بعيره وأصغى لها حتى تنتهي مهما طال الأمر، أفلا يدلنا هذا على أهمية الإصغاء للمرأة التي أصغى لها النبي -صلى الله عليه وسلم- وسمعها الله تعالى من فوق سبع سماوات!
وأردف الدكتور العودة : أن في مجادلة هذه المرأة للنبي -صلى الله عليه وسلم- ما يدل على أن للمرأة لساناً، وأن من حق المرأة أن تشتكي، وأن تتحدث، بل هذه المرأة هي التي قامت بالمهمة وذهبت تخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالخبر وتشتكي إليه وتطلب منه الفتوى وتحاوره في مسألة الكفّارة وأين يمكن إيجادها ، وتحكي له وضع البيت والأسرة والأولاد والزوج. مشيراً إلى أن هذا يدل على وجود قدر كبير جداً من الإعلاء من أهمية المرأة وقيمتها حتى فيما يتعلق بالكفاءة المطلقة، في الآية نفسها : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) في أكثر من موضع مما يدل على أن العلاقة الزوجية هي علاقة كفاءة بين الرجل والمرأة