أسامة زيتونيالمحلية

أين المعلم

رحم الله شوقي إذ يقول :

قم للمعلم وفّهِ التبجيلا .. كاد المعلم أن يكون رسولا

فأين هو ذاك المعلم الذي يكاد يقارب مرتبة الرسل والذي نقف له إجلالاً وتقديراً ونسلمه أبنائنا وفلذات أكبادنا ونحن على يقين بأنهم في مأمن أكثر مما لو كانوا بين والديهم ، أين هو ذاك المعلم المربي الذي تأمنه على إبنك وتثق في قدرته على تربيته وتنشأته النشأة الصالحة .

أين المعلم الذي تعول عليه الأمة رقيها وتقدمها ، أين المعلم الذي يستطيع أن يهيء ويعد جيل واعي ومثقف ومؤمن يساهم في نصرة الإسلام والمسلمين ، وأين المعلم المسئول عن شباب الأمة الذين لا هم لهم سوى اللعب واللهو وركوب السيارات الفارهة وإتباع الموضات الزائفة والسفر والتسكع .. فمن المسئول عن هؤلاء الأبناء وكيف سترتقي الأمة بهم .

فللأسف الشديد أصبح معظم المعلمين غير قادرين على التربية أو غير عابئين بها ، فكل همهم التلقين فقط ، فهم غير جديرين بهذه الثقة وليسوا على قدر المسئولية ولا يصلحوا لأن يكونوا قدوات ومربين لأبنائنا .فمن السبب في ذلك ؟

ولا أقول كلهم ولكن معظمهم ، فهناك الكثير من المعلمين الافاضل الذين يشار لهم بالبنان ، وهناك آخرين يحتاجون الى تربية وصياغة من جديد .

أرجو أن لايغضب مني المعلمون الكرام ، فهناك نماذج كثيرة تسيء الى هذه المهنة الجليلة التي تقارب مهنة الأنبياء والرسل .

ولقد أصبح الشغل الشاغل لمعظم المعلمين هو التعيين والراتب والمستوى والدوام والإجازات والبدلات وغير ذلك ، حتى نسي المعلم الهدف الأساسي والمسئولية العظيمة التي يتحملها والتي سيحاسب عليها من الواحد الديان ، فهو مؤتمن على العقول والأخلاق ، فكيف سيعطيها وهو مشغول عنها .

فمن المتسبب في وصول المعلم الى هذه المرحلة ؟ وما هي العوامل التي أوصلته الى هذا الحد ؟

ولقد كنت ذات مرة جالساً مع أحد الأصدقاء في أحد الأماكن العامة وإذا بشابٍ غريرٍ يرتدي من الملابس ما ليس له أصل ولا هوية ، فقميصهُ من غير أكمام ، وبنطالهُ يكاد يسقط من خصره ، وشعره مجدولٌ الى كتفيه ، وحول معصمه حبل كالسوار ، ثم سلم على صاحبي وتبادل معه بعض الأحاديث الى أن انصرف من حيث أتى ، وبقي الفضول يدور في رأسي حتى سألت صاحبي ، من ذلك الشاب ؟ فأجابني : إنه مدرس ابني في المدرسة !! وعندها صعقت لما سمعت ، فهيأته لا تدل أبداً على أنه معلم أو مربي أو قدوة للأبناء ، فكيف سيكون الجيل الذي سيخرج من تحت يدي هذا المعلم ؟!

فمن وجهة نظري يجب أولاً أن تتم عملية اختيار المعلمين بعناية فائقة وبواسطة لجان شديدة التخصص في التعليم والتربية وعلم النفس ، فلا يُقتصر على حصول المعلم على الشهادة الجامعية فقط ، فالشهادة الجامعية – ومع الأسف – أصبحت تعطى لمن يستحق ومن لايستحق ، بل يجب أن يجتاز المعلم قبل تعيينه اختبارات دقيقة لمعرفة أخلاقه ومواصفاته وقدرته على التربية والتدريس ، ثم يجب أن يعطى المعلم مساحة كافية من الحرية والصلاحية ، فسحب الصلاحيات منه أفقده الشخصية والسيطرة على التلاميذ حتى لم تعد له هيبة في نفوسهم ، ويجب أيضا أن يختار المعلم المكان المناسب له في التعيين ،فكيف سيكون عطاء المعلم إذا لم يكن مهيأ ومستقر نفسياً واجتماعياً ، وقبل ذلك يجب أن يكون المعلم أهلاً لهذه الثقة والمسئوليه العظيمة ، وهو إن كان كذلك فيمكن أن تترك له حرية إختيار المنهج المناسب لطلابه مع الالتزام بالمواضيع الرئيسية، فقد كان أسلافنا من علماء المسلمين ليس لديهم منهج محدد أو مقرر مكتوب تتم محاسبتهم في حال الخروج عنه ومع ذلك فقد كان تلاميذهم علماء أتقياء حملوا من بعدهم لواء العلم والهدى .

فمتى نرى معلمي أبنائنا على هذا القدر من العلم والتقى والهدى ، فإننا إذا وصلنا الى ذلك عندها فقط نستطيع أن نؤمن بأننا قادرون على تخريج أجيال واعية ومثقفة وقادرة على النهوض بهذه الأمه الى أعلى المراتب .

وفي الختام كل التحية والتقدير والإعتذار للمعلمين الأفاضل الذين نعقد عليهم الأمل بعد الله سبحانه وتعالى في هداية وصلاح أبنائنا وبناتنا .
والله من وراء القصد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى