وعندما بعث معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن داعياً قال له( إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ـ وفي رواية: إلى أن يوحدوا الله ـ فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب) ففي الحديث دلالة واضحة على تأصيل مبدأ الأولويات والبدء بالأهم فالأهم.
فمبدأ الأولويّات أو ما أطلق عليه البعض ” بفقه الأولويات ” يدخل في جميع شؤون الحياة الدينية والدنيوية، ويحتاجه الفرد لتسيير أمور حياته بالشكل الذي يضمن له الحياة الكريمة والسعادة المديدة، كما تحتاجه سائر المجتمعات لحل مشكلاتها ولتحقيق أهدافها، وهذا ما يهمّنا في معرفة هذا المبدأ، فأيّ مجتمع يتطلّع إلى التقدم والرقي، ويرغب في المحافظة على هويته وقيمه لابد من المسؤولين والمثقفين فيه من معرفة مبدأ الأولويات والعمل به وغرسه بين أفراد المجتمع، وتطبيقه عمليا على أرض الواقع، فمن المؤسف أن هذا المبدأ غاب على كثير منهم، وهذا ما لمسناه من كثير من كتاب صحافتنا وبعض المسؤولين.
فعلى سبيل المثال: هناك بعض المثقفين والكتّاب ممن يدعي الإصلاح يناقش قضية اجتماعية فيثيرها ويكثر الطرق عليها إمّا جهلا منه بفقه الأولويات، أو لهوى في نفسه ـ والعياذ بالله ـ كمن يحصر قضايا المجتمع في حق قيادة المرأة للسيارة، أو بجواز اختلاطها مع الرجال، أو بأهمية دور السينما، وغير ذلك كثير حتى أصبح ذلك جلّ همّه متناسياً ما هو أهم من ذلك من قضايا المجتمع التي بحاجة ماسة إلى الطرح والنقاش والبحث عن حلول، ففي حلّ بعض القضايا الأساسية حلول لكثير من القضايا الفرعية التي تثار.
إنّ مفهوم الأولويات أن تضع كل شيء في موضعه الذي يستحقه من الأهمية، وأن تبدأ بالأهم قبل المهم، وهذا ما دفع مجموعة من علماء الإدارة وتطوير الذات إلى دراسته، ووضع القوانين والأنشطة والمعايير لهذا المبدأ وكيفية تحديد الأولويات والتعامل معها، فتحديد الأولويات أمر في غاية الأهمية، ويحتاج إلى فهم وتدبر، وقراءة للمستقبل بنظرة بعيدة ثاقبة، ومهارة عالية في الترتيب والترجيح، والتخلي عن المصالح الشخصية، وعن الأهواء والملذات، ومتى ما غابت هذه الأسس حصل التخبط في تحديد الأهم من القضايا للبدء فيها، فبدلاً من الإصلاح والتطوير تكثر المشاكل ويقع الخلل والدوران حول محور واحد. وقد أحسن من قال ( ليس مهماً كيف تحدد أولوياتك … لكن المهم أن تحددها) فالتطوير والإصلاح يبدأ من معرفتنا للأولويات.[/JUSTIFY]