* يخطئ من في قلبه مثقال ذرّة اعتقاد بأن أغلب طرق الأداء العملي في القطاعين العام والخاص تؤدي إلى الخدمة المميزة.. فلا يمكن القبول بمثل هذا إطلاقاً في ظل ما نراه ونلمسه أو حتى نسمع به لدينا وعند غيرنا، بل قد يكون العكس هو الصحيح، فالغالب على أداء العمل والانتاج في عالمنا العربي إبتعاده كثيراً عن متطلبات الجودة وبالتالي فإن الطرق السالكة بهذا الاداء تؤدي إلى الخدمة السيئة.
* إن الأخذ بهذه الحقيقة يعطل لغة الفخر والاعتزال بمخرجات أدائنا العام والخاص، وتقفز معاول النقد لتضرب في الصميم كما يشتد جلد الذات ويستمر على قدم وساق ولكن على رأي شاعرنا الأصيل “ما لجرح بميت إيلام”.
* ولا تفسير عندي لهذه البيئة المنتجة سوى إنها تعاني حالة من التبلد واللامبالاة وعدم الاحساس بالمسئولية، وهذه الأخيرة هي مربط التخلف الذي قاد عالمنا العربي إلى مرتبة متأخرة ضمن تصنيف العالم الثالث بعد أن كنا في عهود مضت وانقضت نقود العالم ونتربع على عرش حضارته.
* هكذا وجدتني أفتح جراحاً يحز في النفس رؤيتها، فما بالك بمعاناة ألمها ؟! ولعل جائزة مكة للتميز التي احتفلت قبل أيام بختام دورتها الخامسة وإعلان الفائزين بها قد أثارت عندي هذا الشجون الكامن وأشعلت فتيل الوقوف على واقع الأداء والجودة في مخرجات عالمنا العربي بشكل عام وفي مملكتنا بصفة خاصة.
* خمس سنوات مضت من عمر الجائزة ولا أعرف بالتحديد كم وحجم ونوعية المكتسبات التي خرجنا بها من هذه الجائزة وهل تحقق شيء من أهدافها التنموية المبنية على رؤية سمو أمير منطقة مكة المكرمة، أو حتى لامست ( فعلاً ) آمال وتطلعات واحتياجات المواطن والمقيم والزائر ؟!
* ليفز بالجائزة من يفز ، ليس هذا لب القضية، القضية كما أراها من زاويتي ومن واقع معايشتي لطبيعة الأداء العام لدينا تتطلب خطوة أكبر تواكب الجائزة وتوازيها وتكمل نصفها الآخر، بل قد تسبقها أيضاً لتمهد الطريق للجائزة وتمنحها المساحة الكافية للتأثير والتحفيز وخلق المنافسة نحو الأفضل.
* وباختصار شديد، نريد خطوة جادة وعلى نطاق أوسع نحو إصلاح المخرجات، كل المخرجات، سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص، نريدها تلزم الجميع بتجويد الأداء في كل المجالات وعلى كافة المستويات، نريدها تفرض معايير الجودة والاتقان بقوة الأنظمة والإجراءات، نريدها تراقب الجميع وتحاسب بلا استثناء وتطبق العقوبة على من يخالف ويسيء إلى قطاعه وسمعة وطنه.
* وختاماً أقول إن البحث عن الخدمة المميزة المستهدفة من هذه الجائزة السنوية هو بمثابة البحث عن إبرة وسط كومة من القش، ثم لابد لهذه الجائزة أن تخلق التوازن المنطقي الذي ننشده، فكيف يستقيم الحال إذا كنا في ساعة من نهار نكرم المميزين وهم قلة لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة.. بينما – وعلى مدار العام – لا يجد السواد الأعظم من أرباب الخدمة السيئة من يحاسبه ويردعهم ؟!.