المحليةملحق صحيفة مكة الأدبي

الـقـرار الأخيـر

الـقـرار الأخيـر
لدكتور / عائض بن عبد الله القرني
[frame=”16 80″] [CENTER]يا أرضَ بالقـرن مازلنـا محبينـا
لا البعدُ ينسي ولا الأعـذارُ تثنينـا
فسائلي الغيمَ كـم أسقـى معاطفَنـا
وسائلي البرقَ كـم أحيـا مغانينـا
لي فيكِ يا دوحةَ الأمجـادِ ملحمـةٌ
محفورةٌ فـي كتـابٍ مـن ليالينـا
يوم الصبا كقميصِ الخـزِ ألبسُـه
والروضُ اخضرُ مملـوءٌ رياحينـا
والرملُ لوحي وأقلامي غصونُ ندا
والربعُ يمطـرهُ القمـريْ تلاحينـا
يا ارضَ بالقرن لو فتشتِ في خَلَدي
وجـدتِ فيـه أخاديـدًا وتأبيـنـا
جرحٌ من الحبِ يا بالقرن ما اندملتْ
أطرافُـهُ بـاتَ يُقصينـا ويُدنيـنـا
قد زرتُ بعدكِ يا بالقرن كلَّ حمـى
وطرتُ في الجو حتى جئتُ برلينـا
فما رضيتُ سواكم في الهوى بـدلاً
لأننـي عاشـقٌ دنيـاك والديـنـا
رأيتُ باريسَ في جلبـابِ راهبـةٍ
شمطاءَ قد بلغتْ في العمرِ سبعينـا
وأنتِ في ريَعَـان العمـرِ زاهيـةٌ
في ميعةِ الحسن إشراقـاً وتكوينـا
أتيتُ واشنطنًـا لا طـاب مربعُهـا
رأيتُ ساحتَها في الضيـقِ سجِّينـا
فلا نسيـمَ كأرضـي إذ يُصبِّحنـا
ولا ندى الطلِ في الـوادي يمسِّينـا
ارضُ السنابلِ لا ارضَ القنابلِ يـا
سِحْرَ الوجودِ ويا حـرزَ المحبينـا
يا روضةً طالما هـزَّتْ معاطفَهـا
كأنـهـا بتبـاشـيـرٍ تحيـيـنـا
وربوةٍ كم درجنـا فـي ملاعبهـا
عهدُ الطفولة يزهـو مـن أمانينـا
والأربعون علـى خـدي مروِّعـةٌ
يا ليت أني أهـادي سـنَّ عشرينـا
والغبنُ يكتب في أضلاعنـا خطبًـا
مـدربُ القلـف يعطينـا تمارينـا
يقتاتُ من لحمنـا غصْبًـا ويجلُدنـا
ويستقـي دَمَنـا زورًا ويظميـنـا
وإن نظَمْنا بيـوتَ الشعـرِ نمدحـه
يظـل بالشَّعَـر المفتـولِ يلويـنـا
إذا اقترحنـا علـى أيامنـا طلبًـا
ذقنا المنايا التـي تطـوي أمانينـا
آهٍ علـى قهـوةٍ سمـراءَ نشربُهـا
في غرفةٍ من ضميمِ الطيِن تؤوينـا
سِجادُها بحصيـرِ النخـلِ ننسجـه
وريشُهـا بنقـي الصـوفِ يدفينـا
بعنـا الهمـومَ بدنيانـا صيـارفـةً
لسنـا جبـاةً ومـا كنـا مرابينـا
لم ندّخِرْ قوتَنـا بخـلاً ليـومِ غـدٍ
لكـل يـومٍ طعـامٌ سـوف يأتينـا
ونمـلأُ الضيـفَ ترحابًـا لننسيَـهُ
ما غابَ من أهلـه عنـه ويُنسينـا
أمام غرفتِنا يجري الغديـرُ علـى
صـوتِ الحمـامِ بأبيـاتٍ يُغنيـنـا
قلوبُ أصحابِنـا طُهْـرٌ وسيرتُهـم
مثلُ الزلالِ الذي في القيظِ يروينـا
أيـامَ لا كدلـكٍ يعـوي بحارتـنـا
ولا البواري تـدوّي فـي نوادينـا
واليـومَ أموالُنـا باتـتْ تؤرقُـنـا
همًـا وأولادُنـا بالـغـمِّ تؤذيـنـا
إذا رفعـنـا بـآيـاتٍ عقيرتَـنـا
قالوا: غلـوٌ وهـذا خالـفَ الدينـا
وإن همسنا بحـبٍّ فـي مجالِسنـا
قالـوا: يدبـر أعمـالاً لترديـنـا
وإن لبسنا بشوتًا عرَّضـوا سفهًـا
بأننـا نزدهـي فيـهـا مرائيـنـا
وإن تقشَّـف منـا صــادقٌ ورِعٌ
قالـوا: يخادِعُنـا عمْـدًا ويغوينـا
إذا صمتنا اقضَّ الصمتُ مضجعَهم
وإن نطقنـا شربنـا كأسَنـا طينـا
إذا أجبْنا علـى الجـوالِ أمطَرَنـا
بالسبِّ مَـنْ كـان نغليـه ويغلينـا
وإن أبينـا أتتنـا مـن رسائـلـه
مثل السعيرِ على الرمضاء تشوينـا
قلنـا لهـم هـذه الأشيـاءُ حلَّلَهـا
أبو حنيفـة بـل سُقنـا البراهينـا
قالوا: خرقتَ لنا الإجماعَ في شُبَـهٍ
مِن رأيِـك الفـجِّ بالنكـراءِ تأتينـا
وإن ضحكنـا أضافونـا بسخريـة
صفـراءَ تملؤنـا غبنًـا وتذويـنـا
وإن بكينـا لظلـوا شامتيـن بـنـا
كأنهم وحدَهُـم صـاروا موازينـا
تـفـردوا بخطايـانـا وأشغلَـهُـم
عن ذكرِ سُوئِهُمُ المُـرْدي مساوينـا
ويفرحـون إذا زل النعـال بـنـا
ويهـزؤون بمـن يـروي معالينـا
ولا يرون سـوى أغلاطِنـا أبـدًا
فنقدُهُمْ صارَ فـي أهوائهـم دينـا
وشتْمُهُمْ هو محضُ النصحِ عندهـمُ
وردُّنـا هـو زورٌ مـن مغاوينـا
لحومُهُـم عندنـا مسمومـةٌ أبـدًا
ولحمُنا صارَ تحت النقـدِ سردينـا
فنحـن عنـد الحداثييـن قافـلـةٌ
من الخوارج نقفـو النهـجَ تالينـا
أما الغـلاةُ فإنـا عنـد شيخهمـو
لسنـا ثقـاتٍ ومـا كنـا موامينـا
ونحن فـي شرعِـهِ خُنَّـا عقيدتَنـا
مـن بائعيـن مبادينـا وشاريـنـا
حتى السياسي مرتابٌ ولو حلفـتْ
لنـا ملائكـةٌ جــاءوا مزكيـنـا
كم مولَعٍ بخلافـي لـو أقـولُ لـه
هذا النهـارُ لقـالَ الليـلُ يضوينـا
إذا طلبنـا جليـسًـا لا يوافقُـنـا
واديه ليس علـى قـربٍ بوادينـا
فتاجـرٌ لاهـثٌ ألهتْـهُ ثـروتُـه
عبدَ الدراهمِ قد عـادى المساكينـا
وجاهلٌ كافرٌ بالحرفِ ما بصُـرَت
عينـاه سِفْـرًا ومـا أمَّ الدواوينـا
ومعْجَـبٌ صَلِـفٌ زاهٍ بمنصـبـه
تواضعٌ منـه فضـلاً أن يماشينـا
فالآن حلَّ لنا هجرُ الجميـعِ وفـي
لـزومِ منزِلِنـا غُـنْـمٌ يواسيـنـا
نصاحبُ الكُتُبَ الصفـراءَ نلْثِمُهـا
نشكو لها صخَـبَ الدنيـا فتشكينـا
تضمُّنا من لهيبِ الهجـرِ تمطِرُنـا
بالحبِّ تُضحِكُنـا طـورًا وتُبْكينـا
ما في الخيامِ أخو وجـدٍ نطارِحُـه
حديـثَ نجـدٍ ولا خـلٌ يصافينـا
فالزمْ فديتُـك بيتًـا أنـتَ تسكُنُـه
واصمتْ فكلُّ البرايا أصبحوا عينـا
شكرًا لكم أيها الأعـداءُ فابتهجـوا
صـارت عداوتُكُـم تينًـا وزيتونـا
علَّمتمونا طِلابَ المجـدِ فانطلقـتْ
بنـا المطامـحُ تهدينـا وتعليـنـا
جزاكم اللهُ خيرًا إذْ بكـم صلحـت
أخطاؤنا واستَفَقْنـا مـن معاصينـا
دلَلْتُمونـا علـى زلاتِنـا كـرمًـا
وغيرُكُـم بِسُكـارِ المـدحِ يُعمينـا
فسامِحونـا إذا سالـتْ مدامعُـنـا
من لذعِ أسياطِكُـم كنتـم مصيبينـا
تجاوزوا عن زفيرٍ مـن جوانِحنـا
حلمًا على زفراتٍ فـي حواشينـا
ثنـاءُ أحبابِنـا قـد عـاقَ همتَـنـا
ولـومُ حسادِنـا أذكـى مواضينـا
ماذا لقينـا مـن الدنيـا وعشرتِهـا
عشاقُها نحنُ وهـي الدهـرَ تقلينـا
على مصائبهـا ناحـتْ مواجعُنـا
ومـن نكائدِهـا ذابــتْ مآقيـنـا
تغتالُـنـا بدواهيـهـا وتنحـرُنـا
صـارتْ مخالبُهـا فينـا سكاكينـا
والآن في البيتِ لا خِلٌّ نُسَـرُّ بـه
إلا الكتـابُ يناجيـنـا ويشجيـنـا[/CENTER][/frame]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى