ولا مرية في أن اغتصاب الأطفال القاصرين من أشنع الجرائم، خاصة إن كان هؤلاء الأطفال في سن مبكرة جداً، على نحو ما حدث للطفلة مرام ذات الأربع سنوات التي اغتصبت بوحشية، ثم ألقيت جثة هامدة في بئر السايفون !
وتكمن خطورة هذه الجريمة في الآثار السيئة التي تخلفها، مما ينعكس سلباً على الطفل وأسرته التي تتأثر بتأثره؛ من ذلك ما ذكره بعض الأطباء، مثل صعوبة النوم نتيجة الأرق والكوابيس، إضافة إلى اضطراب في التحصيل الأكاديمي وعدم التركيز، ومشاكل الطاعة، علاوة على مشاكل التغذية الناتجة عن فقدان الشهية، إلى جانب الانطواء الذاتي، والانعزال عن الآخرين، والشعور بالمخاوف المتكررة.
والمعروف أن تنشئة الطفل لا تتم بصورة طبيعية سليمة إلا بإحاطته بالحماية الكاملة من الإساءة والاستغلال.
ولعل التنامي المطّرد لهذه الظاهرة دفع الكثرين لتقصي أسبابها، ومحاولة إيجاد الحلول الناجعة لها، لكن أغلب الآراء اتجهت إلى المطالبة بتوقيع أقصى العقوبات على مرتكبي هذه الجرائم – وهذا ما تحقق إلى حد كبير في قانون الطفل لعام 2010م – بينما أغفلت كثير من النقاشات والمداولات جوانب وأبعاداً أخرى متعلقة بهذه الظاهرة.
والواقع يؤكد أن توقيع أقصى العقوبات وحده لا يكفي لحل المشكل حلاً جذرياً ومنع تكرار الجريمة؛ بدليل أن الاعتداء على الأطفال ما زال في تزايد مستمر، بالرغم من تشديد العقوبة إلى حد الإعدام.
[COLOR=#FF0026]وفي رأيي أن هذا الجريمة ينبغي ألا تؤخذ بمعزل عن أبعاد ثلاثة: البعد الاجتماعي، والتربوي، والشرعي.[/COLOR]فبالنظر إلى البعد الاجتماعي نجد أن التقارير تشير إلى أن 80 % من حالات الاعتداء على الأطفال يتم التكتم عليها، و20% فقط هي التي يتم الإبلاغ عنها، وحتى المبلغ عنها تتدخل فيها أطراف من الذين يُعرفون بــ(الأجاويد) بغرض التستر عليها؛ وبالتالي لا تجد معظم القضايا حظها من التقديم للعدالة، فلا يتضح حجم المشكلة للرأي العام، وتكون المحصلة أن هذا التكتم يجرئ الجاني على معاودة ارتكابه للجريمة.
وأثبتت الدراسات أن أكثر الأسر عرضة للاعتداء الجنسي على أطفالها هي الأسر المفككة التي تعاني من النزاعات الزوجية، ويغيب لدى أفرادها الوازع الديني والانضباط الأخلاقي، أو تلك التي يسود الإهمال في تربيتها لأبنائها.
أما بالنسبة للبعد التربوي، فقد أُجريت تحقيقات واستطلاعات أثبتت أن من أسباب الاعتداء الجنسي على الأطفال الثياب غير المحتشمة التي تُلبِسُها بعض الأسر للصغيرات، باعتبارهن لم يبلغن سن البلوغ، دون مراعاة لتفاوتهن في أحجامهن ونموهن الجسدي ! وهذه الملابس التي تعتبر خليعة إذا لبستها النساء تكون سبباً في تجرئة ضعاف النفوس على الاعتداء على هؤلاء الصغيرات.
وكثير من الأسر تترك الحبل على الغارب في تربية أبنائها، فيضحوا فريسة للغزو الثقافي المتمثل في أجهزة الإعلام ومواقع الإنترنت، فيشاهدوا ما يشاؤون مما يثير الغرائز، دون رقابة أو توجيه؛ وهذا يجعلهم معتادين على رؤية التجاوزات الجنسية؛ وبالتالي يصبحون مهيئين لقبولها أو التجاوب معها.
وفي ما يتعلق بالبعد الشرعي، توضح الدراسات أن أغلب الأسر التي تتعرض للاعتداء الجنسي على أطفالها أسر تغيب لديها التنشئة الإسلامية السليمة، فلا يُهتم فيها بتعويد الأطفال على الصلاة والقيم والأخلاق الفاضلة المستمدة من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة الصالح، وتختفي فيها توعية الأبناء بأحكام الاستئذان وستر العورة، وبحدود التعامل مع غيرهم، فيُستغل هؤلاء الأطفال؛ لجهلهم بما هو محرم وما هو مباح في التعامل مع الآخرين.
وقد سئل الشيخ محمد سيد حاج رحمه الله في تحقيق أجرته مجلة (صحتك) عن العلاج من وجهة النظر الشرعية فقال: في رأيي أن العلاج يكمن في اتجاهين: الاتجاه الأول: إعلاء القيم الإسلامية، وتعزيز التربية الإيمانية، ونشر الخوف من الله عزّ وجلّ، والأخذ بالآداب الإسلامية التي تمنع كل ما يثير الغرائز الجنسية، كالاختلاط والنظر إلى العاريات والخلوة بالأجنبية، وكل ما من شأنه أن يفسد الأخلاق. والاتجاه الثاني: تنفيذ الأحكام والعقوبات الشرعية والحدود المقررة شرعاً على من ارتكب هذا الجرم.
كما جاء في خلاصة التحقيق الذي أجرته المجلة: (عليه يجب أن تتكامل الأدوار لحماية الطفل من الاعتداءات المتكررة، ابتداءً من دور الأبوين اللذين يناط بهما توعية أبنائهم ومراقبة تصرفاتهم وسلوكياتهم والأشخاص الذين يصحبونهم أو يلتفون حولهم. كما يجب على الأسرة حماية الأبناء من التعرض للصور الفاضحة والعارية التي تعرض في أجهزة الإعلام وغيرها؛ مما يؤثر سلباً على نفسية الطفل الذي يحتاج إلى الشعور بالأمان والاستقرار في هذه المرحلة بالذات.
وتلافياً لأي احتمال للتعرض للاعتداء الجنسي، يجب على الأبوين تعويد الطفلة على الاحتشام منذ صغرها؛ حتى لا تقع فريسة للذئاب البشرية.
كما يجب على المسؤولين وأهل القانون أن يعملوا على توقيع أقصى العقوبات للحيلولة دون وقوع مثل هذه الظاهرة الشاذة والدخيلة على قيمنا وأعرافنا. ويتكامل الدور بالأئمة والدعاة والأطباء النفسيين والمتخصصين في علم الاجتماع وعلم النفس لتوعية المجتمع بالمخاطر التي تترتب على ظاهرة الاعتداء الجنسي على الأطفال، وتذكيره بالعواقب الدينية والاجتماعية والنفسية التي تنجم عن هذه الجريمة النكراء).
وفي رأينا أنه ينبغي أن تعد جريمة الاعتداء الجنسي على الأطفال حقاً عاماً لا يمكن التنازل عنه بتدخل الأجاويد أو الوساطات؛ حتى يُزجَر الجاني ويردع غيره عن ارتكاب مثل هذه الجرائم التي تصادم الشريعة، وتنافي الفطرة.[/JUSTIFY]