مدخل :
لكلّ همومه ومشاغله ولكن عندما نسمع من الآخرين نعرف كم نحن محظوظون:
زفر وتنهّد وأطلق للسانه العنان قائلا : كان جدّي بدويّا يرعى إبله حيث كان الكلأ والماء خصبان ، فما هي الاّ اسابيع معدودات حتى تقفر الأرض ويشحّ الماء فينزح عن تلك الأرض ويبحث عن غيرها ، طالبا اسباب الإستمرار في الحياة ويعرفه الجميع بأنّه بدويّ ذالك شأنه فلا يلومونه لعدم إستقرار.
وجئت انا حفيده في زمن الخير والنماء ولم ارث عنه الشقاء الذي كان والحق يقال أنام مطمئنا ، لا أخشى غارة القوم عند المساء او الصباح واسافر شرقا وغربا لا احمل معي سلاحا ، وهذه نعمة اشكر الله عليها واسأله أن يديمها غير أنّي إكتسبت منه صفة لا أحبّذها وهي الترحال ، والضعن من موطن لأخر وداخل مدينة متحضرّه ومبانيها مشمخّرة تضاهي جبال السراة الراسيات .
تقولون كيف ذالك ؟ ولكم أقول أستأجر شقة بعقد مؤقت وامكث فيها اشهرا وان امتدت سنة او سنتين ، ثم يطرق علي باب الدار صاحب العقار المؤجر فيقول لي بإبتسامة ماكره العفو ياجار بعد شهرين ، سأزوج ولدي فلان ويسعدني حضورك ثم لعدم الإحراج ارغب في أن تخلي الشقّه لأنه سيسكنها ، فأرتحل من الحي الى حيّ آخر ولا أكاد أرتاح من عناء النقل وترتيب الأثاث وأبدأ في مسلسل التعريف ، بعنواني لأقاربي وأصدقائي حتى لا يكاد يعرفه كلهم الا وقد جائني صاحب العقار او وكيله ، فيقول لي مثلما قال سلفه او ربما زاد قليلا فلا أجد بدّا من الإرتحال والضعن لحيّ آخر .
وتتكرر معاناتي ولربما كنت انا من يختار الخروج من المنزل لجشع المالك فقد رفع العقد ، بربع القيمة او ثلثها ولم تكن مسجلة في العقد الذي بيننا وهنا اغبط جدي على زمنه الذي كان فيه ، فكل مالديه خيمة يغرسها في الأرض او يقلعها ويرتحل من أرض لأخرى دون رسوم عقود ، او مبالغ إيجار ويختم حديثه بتنهيدة متى يفعّل مشروع الإسكان ارض وقرض وأودع حياة الترحال وأستبدلها بسكن وعنوان دائم .
ومضة :
الهوية وطن والوطن هويّه
خاتمه : النخلة عطاء ظلّها قبل ثمرتها
مع وافر التقدير