المحليةالمقالات

مكتبة الحرم

خلال الفترة بين عام 1391هـ و عام 1395 هـ كنت أدرس في مكة المكرمة، ومع تنقلي خلال تلك الفترة بين أحياء الملاوي وريع المسكين والمعابدة إلا أنني قد تعلقت بطريقين لم تخطئهما بوصلتي ولم تملهما قدماي، طريق الحرم وطريق مكتبة الحرم.

كنا آنذاك (أنا وزملائي في العزبة) في عداد الفقراء نسكن في بيوت شعبية غير مكيفة ليس في أغلبها الا مروحة واحدة في سقف مجلس الضيوف، ولم نكن نعرف عن المكيفات الا ما نراه في الجامعة أو في قليل من بيوت مكة وكان بعضها صحراويا يعمل بالماء الذي تمرره مضخة أمام مروحة ، والمضخة والمروحة داخل صندوق المكيف نفسه.
في مقابل ذلك كان الحرم المكي الشريف واحة ظليلة، اجتمع في أروقته الواسعة لطف في فضائه لا يقارن بالحال في خارجه، وروحانية لا يضاهيها في راحة الأرواح شيء، خاصة عندما تتصاعد تلك الروحانية مع كل آذان يرفعه مؤذنو الحرم بأصواتهم الشجية تتجاوب معها النفس قبل أن تتجاوب معها جنبات الحرم الشريف.

كنا نذهب الى الحرم الشريف كل يوم سيرا على الأقدام ومعنا الكتب والمراجع ، نذهب للمذاكرة والاستذكار فنجلس في رواق الدور الأعلى، هناك يتوفر لنا الهدوء والجو البارد فإذا حان وقت الصلاة هبطنا إلى الدور الأرضي حيث الصلاة مع جماعة المسلمين، وكنا نذهب بين الحين والحين إلى مكتبة الحرم المكي للاستعانة بما فيها من الكتب على واجباتنا الدراسية.

كانت المكتبة قريبة من الحرم وأظنها في أسفل جبل أبي قبيس نخرج اليها من باب الملك عبد العزيز، وكانت مكتبة عظيمة فيها مئات الألوف من الكتب والمخطوطات الاصلية والمصورة، ويبدو أنها من أقدم مكتبات العالم الاسلامي التي حافظت على بقائها إن لم تكن الأقدم بالفعل فتاريخها يعود إلى القرن الهجري الثاني كما سمعت.

كان من بين موظفي المكتبة الشيخ جار الله بن سعيد الغامدي رحمه الله وهو من أبناء قريتي ، قرية الحبشي ، وكان يسره أن يرانا ويسرنا أن نراه ، وكنا نستشيره دائما في كل أمر له صلة بالكتب، وهو لم يكن ليبخل علينا أو على غيرنا بالمشورة والنصح، وعندما انتقلت المكتبة من مكانها القريب الى مكان بعيد حزنت قلوبنا كثيرا واصبحت زياراتنا لها متباعدة.

كان انتقالها قد تزامن مع آخر أيامنا في مكة، تخرجنا من الجامعة فتقاذفتنا الديار، أما أنا فقد جاء تعييني في الباحة فأبتعدت كثيرا عن مكتبة الحرم ، وما عدت أرى الحرم إلا في حج أو عمرة ، لكني كنت اسأل دائما عن مكتبة الحرم وكنت أبتهل الى الله أن يردها الى مكانها القريب من الحرم وأظن ذلك قد حدث فله الحمد والمنة.
محمد ربيع الغامدي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى