المحليةالمقالات

وسطية الحكمة : العلم والقوة

[frame=”5 100″][ALIGN=RIGHT][COLOR=crimson]وسطية الحكمة : العلم والقوة[/COLOR][/ALIGN] [ALIGN=JUSTIFY]قيل في الحكمة : إنّها وضع الشّيء في مكانه الصّحيح ، قال الإمام ابن القيّم: «وأحسن ما قيل في الحكمة: إنّها معرفة الحقّ والعمل به، والإصابة في القول والعمل ، وهذا لا يكون إلا بفهم القرآن، والفقه في شرائع الإسلام، وحقائق الإيمان» [مدارج السالكين ، (2 / 498) ] .

وله – رحِمَه الله – فيها كلام يبيّن علاقة الحكمة بالوسطيّة ، حيث قال : «قال (أي الهروي صاحب المنازل): «وهي على ثلاث درجات ، الدرجة الأولى: أن تعطي كل شيء حقه ولا تعديه حده، ولا تعجله عن وقته، ولا تؤخره عنه».

لما كانت الأشياء لها مراتب وحقوق، تقتضيها شرعاً وقدراً ، ولها حدود ونهايات تصل إليها ولا تتعداها، ولها أوقات لا تتقدم عنها ولا تتأخر ؛كانت الحكمة مراعاة هذه الجهات الثلاث، بأن تعطي كل مرتبة حقها الذي أحقه الله بشرعه وقدره ، ولا تتعدى بها حدها، فتكون متعدياً مخالفاً للحكمة ، ولا تطلب تعجيلها عن وقتها فتخالف الحكمة ، ولا تؤخرها عنه فتفوتها.

وهذا حكم عام لجميع الأسباب مع مسبباتها شرعاً وقدراً ، فإضاعتها تعطيل للحكمة بمنزلة إضاعة البذر وسقي الأرض .

وتعدي الحق : كسقيها فوق حاجتها، بحيث يغرق البذر والزرع ويفسد .
وتعجيلها عن وقتها: كحصاده قبل إدراكه وكماله .

وكذلك ترك الغذاء والشراب واللباس: إخلال بالحكمة، وتعدي الحد المحتاج إليه، خروج عنها أيضاً، وتعجيل ذلك قبل وقته: إخلال بها، وتأخيره عن وقته: إخلال بها.
فالحكمة إذاً : فعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي.
والله تعالى أورث الحكمة آدم وبنيه ، فالرجل الكامل: من له إرثٌ كامل من أبيه، ونصف الرجل -كالمرأة- له نصف ميراث، والتفاوت في ذلك لا يحصيه إلا الله تعالى.

[COLOR=crimson]وأكمل الخلق في هذا : الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ، وأكملهم أولو العزم، وأكملهم محمد صلّى الله عليه وسلّم.[/COLOR]

ولهذا امتن الله سبحانه وتعالى عليه، وعلى أمته بما آتاهم من الحكمة،كما قال تعالى :{ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً }[النساء:113] ، وقال تعالى: { كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } [البقرة:151].
فكل نظام الوجود مرتبط بهذه الصفة ، وكل خلل في الوجود وفي العبد فسببه : الإخلال بها ، فأكمل الناس أوفرهم منها نصيباً، وأنقصهم وأبعدهم عن الكمال أقلهم منها ميراثاً.
ولها ثلاثة أركان: العلم، والحلم، والأناة.

[COLOR=crimson]وآفاتها وأضدادها: الجهل، والطيش، والعجلة[/COLOR].

فلا حكمة لجاهل، ولا طائش، ولا عجول، والله أعلم» [مدارج السالكين (2 / 499-500) ].
وليس بعد كلامه رحمه الله كلام ، إلاّ أن نؤكّد ونقرّر صدقه وملامسته للحقيقة الشرعيّة والواقعيّة ، وصدق الله تعالى إذ قال :{ يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ } [البقرة:269].
وقال تعالى بعد أنّ ذكر عدد من التوجيهات :{ ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ } [الإسراء:39].
ومن المعاني الّتي يحسن ذكرها أنّ الله تعالى قرن الحكمة في القرآن بالملك ، وقرنها بالعلم ، وفيه إشارة إلى أنّ الملك بلا حكمة إمّا تهوّر وطيش وطغيان ، وإمّا تفريط وجهل وضعف ، ولهذا قال الله تعالى :{ فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ } [البقرة:251].

وقال أيضاً : { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ } [ص:20].
وكذلك العلم ، فالعلم أيضاً لا يصلح إلاّ بالحكمة ، فالعالم إذا افتقد الحكمة كان علمه وبالاً عليه وعلى الأمّة ، وكم من عالم كانت فتواه سبباً لإزهاق أنفس معصومة ، وانتهاك أعراض مصونة ، وغصب أموال محترمة .

وكم من عالم كان خوفه وتردّده سبباً لانتشار الباطل وعلوّه في الأرض .
فالعالم الّذي يفقه كتاب الله وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم ، ويسخّر علمه لإصلاح الواقع الّذي يعيشه بحكمة وحلم ونظر ودراية ، فيعرف متى يتكلّم ومتى يسكت ، ومتى يصدع بالحق ، ومتى يداري ، ويعلم أيّ المفسدتين أخفّ فيدفع بها العظمى ، ويعلم أيّ المصلحتين أعظم فيطلبها بالصغرى ، هذا هو العالم الّذي آتاه الله الحكمة حقاً ، وهو العالم الربّاني الّذي مدحه القرآن والسنة ، كما قال ابن عباس – رضي الله عنهما – في قوله تعالى :{ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ } [آل عمران:79] : أي : « حكماء علماء حلماء »[ تفسير ابن كثير ( 2 / 66) ].

وإذا جمع الله لعبد العلم والملك والحكمة فهذا غاية الإنعام والإعزاز ، كما قال تعالى :{ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً } [النساء:54].

قال ابن القيّم – رحِمَه الله – : «والمقصود أن الله سبحانه سمّى عِلمَ الحجة سلطان لأنها توجب تسلّط صاحبها واقتداره فله بها سلطان على الجاهلين بل سلطان العلم أعظم من سلطان اليد ولهذا ينقاد الناس للحجة مالا ينقادون لليد فإن الحجة تنقاد لها القلوب وأما اليد فإنما ينقاد لها البدن فالحجة تأسر القلب وتقوده وتذل المخالف وإن أظهر العناد والمكابرة فقلبه خاضع لها ذليل مقهور تحت سلطانها بل سلطان الجاه إن لم يكن معه علم يساس به فهو بمنزلة سلطان السباع والأسود ونحوها قدرة بلا علم ولا رحمة بخلاف سلطان الحجة فإنه قدرة بعلم ورحمة وحكمة ومن لم يكن له اقتدار في علمه فهو إما لضعف حجته وسلطانه وإما لقهر سلطان اليد والسيف له وإلا فالحجة ناصرة نفسها ظاهرة على الباطل قاهرة له»[ مفتاح دار السعادة (1/86-87)]

وقال أيضاً :« فالقدرة إن لم يكن معها حكمة بل كان القادر يفعل ما يريده بلا نظر في العاقبة، ولا حكمة محمودة يطلبها بإرادته ويقصدها بفعله، كان فعلها فسادا كصاحب شهوات الغي والظلم، الذي يفعل بقوته ما يريده من شهوات الغي في بطنه وفرجه ومن ظلم الناس، فإن هذا وإن كان له بقوة وعزة لكن لما لم يقترن بها حكمة كان ذلك معونة على شره وفساده، وكذلك العلم كماله أن تقترن به الحكمة وإلا فالعلم الذي لا يرد ما تقتضيه الحكمة وتوجبه، بل يريد ما يهواه، سفيه غاو وعلمه عون على الشر والفساد هذا إذا كان عالما قادرا مريدا له إرادة من غير حكمة، وإن قدر أنه لا إرادة له بحال فهذا أولا ممتنع من الحي، فإن وجود الشعور بدون حب ولا بغض ولا إرادة ممتنع كوجود إرادة بدون الشعور .. المقصود أن العلم والقدرة المجردين عن الحكمة لا يحصل بها الكمال والصلاح وإنما يحصل ذلك بالحكمة معها، واسمه سبحانه ((الحكيم)) يتضمن حكمته في خلقه وأمره في إرادته الدينية والكونية وهو حكيم في كل ما خلقه وأمر به«[ طريق الهجرتين لابن القيّم ، (ص128)].[/ALIGN] [ALIGN=LEFT][COLOR=green]د . أحمد بن صالح الزهراني[/COLOR][/ALIGN][/frame]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى