المحلية

مصر بين الحلم و الكابوس

مصر أم الدنيا .. هكذا تعودنا على وصفها .. وهكذا هي .. و لعل الأحداث التي مرت على مصر خلال العامين الماضيين تثبت أن لمصر مكانة خاصة و موقع مميز بين أمم الدنيا .. و تثبت كذلك أن مصر و المصريين يحتفظون بعمق تجربة و خبرة إنسانية تدفعهم إلى سلوك أكثر اتزاناً نسبة لسلوك آخرين ..
ففي نظري أن تنحي الرئيس مبارك و تسليمه السلطة للمجلس العسكري -حتى و إن كان ذلك مخططاً استراتيجياً لما يجري حالياً- هو سلوك أفضل مما لو بقي في الحكم و تطورت أوضاع مصر لما حدث في ليبيا و سوريا .. و كذلك اختيار مبارك البقاء و خضوعه لمحاكمة علنية يُعد سابقة تُسجل لمصر و للمصريين ..

أثر ما يجري في مصر على محطيها وعلى دول الإقليم هو ما يجعل هذه الأخيرة تهتم وتراقب عن كثب كل ما يجري في مصر ، و هو ذاته ما يدفع دول العالم وبالأخص الغرب إلى الاهتمام بما يجري في مصر و بمآلاته.
فالغرب يرون في منطقة الشرق الأوسط مساحة لنفوذهم و مصالحهم الاستراتيجية ، و سيطرتهم عليها يعني سيطرة أفضل على ثروات طائلة وعلى طرق تجارة حيوية ، و في كل ذلك حماية و استدامة لمصالحهم التي يعتقدون أنها سوف تتعرض لهزات في ظل عدم الاستقرار أو في حال وصول حكام منتخبين ديموقراطياً للحكم..

لقد عاش بعض المصريين خلال السنتين الماضيتين حلم جميل بالحرية و العدالة الاجتماعية ، بينما عاش البعض الآخر كابوساً ثقيلاً بسبب تضرر مصالحهم التي كانت متحققة و محمية بوجود النظام الذي تم إسقاط بعض رموزه ..
و بقي كلا الطرفين أصحاب الحلم و أصحاب الكابوس في صراع و عمل دؤوب ومستمر ؛ الطرف الأول يعمل من أجل رسم تفاصيل الحلم و تحقيقه ، و الطرف الثاني يعمل من أجل التخلص من الكابوس .. وهذا بالمناسبة ينطبق على جميع شعوب دول ما سُمي بالربيع العربي ..
و بالطبع كان لكل طرف مؤيديه داخلياً و خارجياً و إن كان فعل وجَلَد أصحاب الكابوس وماحصلوا عليه من دعم كان هو الأكبر من أجل استعادة مكاسبهم المرتبطة باستعادة منظومة الحكم السابق ..

من المعروف أن الكثير من الدول العربية و الاسلامية مرّت عبر العقود الماضية بالكثير من الأزمات و الحروب و واجهت العديد من التحديات و تولت النظم الحاكمة التعاطي معها و التخفيف من آثارها وظلت النظم ومؤسساتها هي صاحب اليد الطولى في التعاطي و المعالجة و ظل دور الشعوب محدود جداً ويصل أحياناً إلى درجة العدم في بعض الدول ..

وفي نظري أن هناك عنصرين جديدين دخلا على معادلة الحاضر و هما حراك الشعوب و الإعلام الجديد ، وهو ما سوف يخلق وقائع و واقعاً مختلفاً ، و سيفرض كذلك تعاطياً مختلفاً عن ذلك الذي كان في الماضي ، بمعنى آخر علينا أن نتوقع عدم نجاح الوسائل و الأساليب التي سبق استخدامها في مواجهة الأزمات و التحديات الداخلية منها و الخارجية .. و يمكننا القول بأن دخول عنصري الشعوب و الاعلام الجديد على المعادلة سيكسر القاعدة التي تقول أن تكرار القيام بنفس الفعل سيؤدي إلى تكرار الوصول لنفس النتائج ، و بالتالي فإن علينا أن ننتظر نتائج مختلفة..

قال الشاعر أبو القاسم الشابي

[CENTER][COLOR=#FF002E]إذا الشعب يوماً أراد الحياة ** فلابد أن يستجيب القدر
ولابد لليل أن ينجلي ** و لابد للقيد أن ينكسر[/COLOR][/CENTER]

و إرادة الشعوب العربية نحو الحرية و العدالة و الاصلاح ومكافحة الفساد باتت واضحة وهي تتراكم و تزداد بمرور الوقت ، و كسر القيود أيضاً بات متتابعاً بفعل الحراك سواء في العالم الافتراضي أو في العالم الواقعي على الأرض..
و أخذ الأنظمة الحاكمة إرادة الشعوب في الاعتبار سوف يخفف من الآثار السلبية و الخسائر للتغيير و يعجل بتحقيق المطالب بالحرية و العدالة و العيش الكريم للجميع (أصحاب الحلم و أصحاب الكابوس)..

وما جرى في مصر مؤخراً يؤكد أن الفاعلين فيه يكررون نفس ما فعله أسلافهم ، وفيما يبدوا لا يدركون أثر العناصر الجديدة التي دخلت على المعادلة ، و لذلك استخدموا نفس الأساليب و الوسائل التي استخدمت في العقود الماضية ..
وفي رأيي أن العاقبة لأصحاب حلم الحرية و العدالة و العيش الكريم والاستقرار و التنمية و التقدم ، و التخلص من دوائر تفشي الظلم و الفساد و الجهل و الفقر و التخلف بإذن الله .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى