اليوم الوطني قيمة عليا ذات دلالات تأخذ بأيدينا نحو الوطن، الوطن بكل عناصره من تراب وهواء وحياة تتحرك على أرضه، تترك بصماتها على أسطحه المختلفة، ومادام اليوم الوطني قيمة تشير إلى الوطن فلا مطالب لنا ولا شروط في الاحتفاء به، نحتفل به على الجوع مثل احتفالنا به على الشبع، وفي العري مثلما في الاكتساء، وفي الفقر كما في الغنى، وفي المرض مثلما في الصحة، وفي الغضب مثلما في الرضا، وفي السفر مثلما في الإقامة، ذلك أن ما يعترينا من جوع وعري وفقر ومرض وغضب وسفر ليس من الوطن بل من مسببات لا تغيب عن ذي فطنة.
اليوم الوطني لكل الناس مثلما الوطن لكل الناس، ومثلما للوطن أصدقاؤه فلليوم الوطني أصدقاؤه أيضا، وما دام هناك أصدقاء لليوم الوطني وللوطن فهناك لهما أعداء أيضا، فكل من يجعل من الوطن بيئة صالحة للمواطن هو صديق للوطن وصديق لليوم الوطني وكل من يجعل من الوطن بيئة غير مريحة هو عدو للوطن ولليوم الوطني معا.
الوزير والأمير والمحافظ والمدير والتاجر والموظف الذي ينهض بواجبه كاملا أو يجتهد في النهوض به مقتربا من الكمال هو صديق للوطن لأنه يجعل منه بيئة صالحة للناس الذين يعيشون في أكنافه ، أما الوزير والأمير والمحافظ والمدير والموظف الذي ينام ملء عينيه تاركا هموم الناس ومشكلاتهم على رف الإهمال أو الاتكال على الغير فهو عدو للوطن لا ينتطح في ذلك كبشان ولا يختلف فيه اثنان ومثلهم ذلك التاجر اللئيم الذي يدوس على رقاب الناس ليزيد رصيده مليونا آخر.
وعلينا بعد ذلك أن ننحاز للوطن فلا نحمله وزر أعدائه أولئك، لابد أن نسميهم بأسمائهم، فلا نجعل من أخطائهم تلك نكتا سوداء في صفحات حبنا للوطن بل نجعلها سوادا يجلل وجوههم بالخزي والعار فمن يجعل الوطن بيئة متعبة للمواطن هو عدو للوطن ولرموز الوطن ولتاريخه ولترابه ولمائه وهواه وعدو ليومه الوطني كذلك، وأن نهذب أنفسنا لنكون أصدقاء للوطن، فيسهم كل واحد منا في جعل الوطن بيئة مريحة للمواطن، وفينا الأمير والوزير والمحافظ والمدير والموظف، وفينا الطالب وفينا الإعلامي وفينا المهني وفينا العاطل عن العمل أيضا وفينا غير ذلك وكل واحد منا يعي تماما ما هو مطلوب منه ليجعل من الوطن بيئة مريحة للمواطن.
وعلينا أيضا أن نحذر أولئك الخفافيش الذين تنساب أفكارهم إلينا تحت جنح الظلام فيفتشون في حياة النبي محمد صلى الله على وسلم وفي حياة صحابته وفي حياة السلف الصالح ما يوهمون الناس معه أن الوطن منكر والوطنية أم المنكرات فقالوا فيما قالوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد ترك مكة إلى المدينة، فلو كان المكان رابطة ما فعل ، وقد تناسوا ما قاله صلى الله عليه وسلم وهو يغادر مكة المكرمة وقلبه يتقطع ألما على وطنه الأول مكة المكرمة.
واستشهدوا بالرسول صلى الله عليه وسلم وموقفه من عمه أبي لهب على أن العلاقة العائلية تنتهي أمام العقيدة فتناسوا أن ذلك الموقف كان للأذية وللعدوان الذي جبلت عليه نفس أبي لهب والا فكيف نفسر علاقته بعمه أبي طالب وهو مشرك أيضا ؟ واستشهدوا بقتال النبي صلى الله عليه وسلم لقبيلته قريش على أنه لا يقيم وزنا لها فهي قبيلة مشركه وتناسوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أشاد بقريش في مناسبات كثيرة وكما ذم كفرهم وشركهم فقد امتدح مزايا فيهم لا تغيب عن أحد ومن بينها فصاحتهم التي أعلت مكانهم بين العرب.
هذه الخفافيش لها أهدافها، وهم قوم يحطبون في حبال غيرهم، ولذلك يهونون من شأن الوطن ومن شأن يومه الوطني يظنون أنهم إن نجحوا في ذلك فقد دقوا إسفينا بين المواطن ووطنه فيسهل عليهم التخريب بعدئذ، أما أولئك الأعداء الذين يجعلون من الوطن بيئة متعبة للمواطن فهم بين جاهل وبين جشع طماع أناني وبين مهمل كسول ولاه الله أمرا لا يستحقه، وعلى المواطن أن يشير إلى هؤلاء والى أولئك ، وعلى أصدقاء الوطن من الأمراء والوزراء والمحافظين والمديرين والتجار الناصحين وعموم الموظفين أن يخرجوهم من بين صفوفهم فالوطن حق للجميع، ويومه يوم جميل يأخذ بأيدينا إليه دائما.
محمد ربيع الغامدي