المحليةالمقالات

أعظم ليلة في التاريخ

[ALIGN=RIGHT][COLOR=crimson]أعظم ليلة في التاريخ[/COLOR][/ALIGN]

في الغار :

انقطعت صلة الأرض بالسماء قبل البعثة قرون عدّة عديدة وجفّت الأرض ، وتوقّف تاريخ النبوة والدعوة ، وفي غار حراء دارت عجلة التاريخ من جديد عند أوّل اتصال للأرض بالسّماء بعد انقطاع ، واهتزّت الأرض حين نزلت عليها أوّل قطرة متمثلة في أوّل كلمة :« [COLOR=crimson]اقرأ [/COLOR]» .

كانت تلك الليلة ليلة فاصلة في تاريخ البشريّة يوم نزول القرآن ، وكان حدثا مميزا يستحق الإشادة والاحتفال اللائق به .. وهذا ما حدث فعلا بعد ذلك حين شرع في الإسلام صوم رمضان وتعظيم العشر الأواخر وليلة القدر بالذات التي قال عنها القرآن إنّها خير من ألف شهر ، وقال صلى الله عليه وسلّم : «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه».

وساق القرآن هذه الذكرى فقال : {[COLOR=green]حم وَالْكِتَابِ الْمُبِين إنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِين فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيم أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِين}[الدخان:1-5[/COLOR]].

فالليلة ليلة مباركة باركها الرب في السماء وفي الأرض ، وفيها يُفرق كل أمر حكيم ولهذا كانت وقتاً مناسباً لنزول الكتاب الفرقان كما سمّاه الله .

وفي تسميته بهذا إشارة مبكرة لواحد من أهمّ المآلات التي سيسير إليها الحراك الدعوي وهو المفارقة : {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}[الفرقان:1].وكل الكتب السماوية كانت تتصف بهذا: {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون}[البقرة:53]

ورغم ذلك المران العاطفي الروحي الذي مارسه النّبيّ صلى الله عليه وسلّم منذ سنوات قبل البعثة وهو يتحنّث في غار حراء إلاّ أنّ الصّدمة كانت قويّة للغاية ..

ظهور جبريل عليه السلام .. ثمّ الغطّ ثلاث مرات والأمر بالقراءة ثم إسماعه أوّل الكلام الرباني : {[COLOR=green]اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَق اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَم الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَم عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم}[العلق:1-5[/COLOR]].

كلّ هذا كان صدمة كبيرة للنّبيّ صلى الله عليه وسلّم أدخلت في نفسه الخوف والهلع وصورت ذلك عائشة رضي الله عنها : «فرجع بها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلدٍ رضي اللّه عنها فقال:« زمّلوني زمّلوني » ، فزمّلوه حتّى ذهب عنه الرّوع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: «لقد خشيت على نفسي».

ثم لم يلبث النّبيّ صلى الله عليه وسلّم أن هدأ رَوعه وبدأ يتطلّع لهذه المهمة العظيمة التي عرف منذ أوّل وهلة أنّها ليست باليسيرة ولا السهلة بل هي مهمة سيكون لها تبعاتها .. وذلك منذ أن قال له ورقة : « هذا الناموس الذي أنزل على موسى يا ليتني أكون فيها جذعا أكون حيا حين يخرجوك قومك » ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أو مخرجيّ هم ؟ » قال ورقة : نعم لم يأت أحد قط بما جئت به إلا عودي ، وأوذي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ، ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي» .

هذه هي أعظم ليلة في التاريخ . ومن عظمتها أنّ الإعداد لها بدأ مبكراً ، إذ يبدو من خلال النظر إلى تسلسل الأحداث التاريخية أنّ بعثة النّبيّ صلى الله عليه وسلّم كان حدثاً كونياً إضافة إلى كونه مهمّة دعوية ، بمعنى أنّه حدث تشارك في صياغته العامل الكوني المادي إضافة إلى التقدير الشرعي .

فهو تقريبا يمثّل القمّة الدرامية لأحداث التاريخ والوجود البشري على الأرض وغاية تفاعلاتها عبر قرون طويلة منذ بدء الصراع في السماء بين آدم وإبليس ، ولهذا جاء عنه صلى الله عليه وسلّم قوله : «[COLOR=blue]بعثت والساعة كهاتين[/COLOR]» فبعثته وأمّته بالنسبة للوجود البشري على وجه الأرض خاتمة الرواية ونهايتها السعيدة للعنصر الصالح .

ولهذا لمّا سُئل النّبيّ صلى الله عليه وسلّم : متى كنت نبياً ؟ فقال : «وآدم بين الروح والجسد».

وبدأ التبشير به والإخبار عنه منذ القدم ، قال الله صلى الله عليه وسلم: « [COLOR=blue]انا دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى عليهما السلام[/COLOR] ».

كذلك النسب الشريف فإنّ له شأناً ، بل هو من دلائل نبوّته صلى الله عليه وسلّم وحفظ الله وعنايته به ، نفهم هذا في ظلال ما رواه واثلة بن الأسقع عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنّه قال «[COLOR=blue]إنّ الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم [/COLOR]».

وثبت في صحيح البخاري من حديث أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « بعثت من خير قرون بنى آدم قرنا فقرنا، حتى بعثت من القرن الذى كنت فيه ».

وهذا يدلّ على أنّ الاصطفاء في النسب كان جزءا من الرعاية الربانية التي لازمت النّبيّ صلى الله عليه وسلّم منذ الأزل حتى أخرجه الله للدنيا وأخرج على يديه الدعوة العظمى .

قضية شرف النسب والموقع الاجتماعي للنبيّ صلى الله عليه وسلّم قضية مهمة تنبع من أهمية الشرف في المجتمع الذي سيشهد انطلاقة الدّعوة .

كثيراً ما يكون الشرف والفضائل لأفراد من البشر لكنّها لا تظهر ولا يُعرفون بها حتى يهيّئ الله ما يظهر ويشهر صاحبه ، وهذا ما حدث مع آباء النّبيّ صلى الله عليه وسلّم .

ولعل هذا الأمر لا يهمّ كثيراً في عامة الناس وعامة الأحوال ، لكن حين تكون الأرض تستعد لحدث مهمّ يقدره الله على يد واحد من هؤلاء فإنّه لابدّ من أحداث تتقدّمه تكون بمثابة التعريف للدنيا بعظمة ومقام القادم الجديد ليذعن الجميع له بالشرف والسؤدد القديم.

إنّه نوع متميز ونادر من التزكية الّتي يشارك فيها كلّ شيء ، الإنسان والجماد والحيوان ، الكل يشارك في أحداث شكّلت نقاط مهمة في التاريخ لم يكن أحد يومها يعلم أنّها كانت جزءا من رعاية ربانية رافقت الوجود المحمّدي صلى الله على صاحبه وسلّم ، لكن الناظر إليها مجتمعة وفي سياقاتها يجد ذلك حقيقياً وواقعياً ومنطقياً كذلك .

عن ابن عباس قال : « ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن وما رآهم ، انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه ، فرجعت الشياطين إلى قومهم ، فقالوا : ما لكم ؟ قالوا : حيل بيننا وبين خبر السماء ، وأرسلت علينا الشهب ، قالوا : ما ذاك إلا من شيء حدث ، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها ، فمرّ النفر الذين أخذوا نحو تهامة وهو بنخل عامدين إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر ، فلما سمعوا القرآن استمعوا له ، وقالوا : هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء فرجعوا إلى قومهم ، وقالوا : يا قومنا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك به أحداً ، فأوحى الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم : (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [الجن:1]» .

قلتُ : فهذه السماء ونظامها قد حدث فيها أحداث وتغير نظامها بمقدمه صلى الله عليه وسلّم إلى الدنيا تمهيداً لدعوته العظيمة ، فلا أستبعد حدوث أمور كونية أخرى كانت بمثابة التهيئة الكونية لهذا القدوم الشريف وإن كنا لم نعلم بها .

في الحقيقة لا أريد أن أسترسل في الأمر ، فإنّ الأحداث التاريخية القديمة لو تتبعناها لوجدت فيها ما يثير العجب في تسلسل التقدير الرباني ، وبعض هذه الأحداث له ارتباط بتاريخ أمّة النّبيّ صلى الله عليه وسلّم بعضها حكاه القرآن وبعضه سجله لنا التاريخ نبوة إبراهيم عليه السلام ولادة إسماعيل تركه هاجر وابنها في مكة بعيدا عن بلاده بأمر من الله نبع زمزم وعودة الحياة إلى مكة ، وغير ذلك كثير ، إنّما أضرب له أمثلة فقط .. كل هذا يدل على ما قلته من أنّ ليلة الغار كانت بحق أعظم ليلة في التاريخ .

[ALIGN=LEFT][COLOR=green]د. احمد صالح الزهراني[/COLOR][/ALIGN] [ALIGN=RIGHT][IMG]https://www.makkahnews.sa/image/magal.jpg[/IMG] [URL=https://www.makkahnews.sa/articles-action-show-id-19.htm]وسطية الحكمة : العلم والقوة[/URL][/ALIGN]

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. د. أحمد الزهراني
    هي ليلة عظيمة من عظم ديننا الحنيف ؛ فكل هذه الاحداث تدل على عظمته ؛ طرحك راقي وواقعي .

  2. د. أحمد الزهراني
    هي ليلة عظيمة من عظم ديننا الحنيف ؛ فكل هذه الاحداث تدل على عظمته ؛ طرحك راقي وواقعي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى