لقد كانت الحملة التصحيحية التي قامت بها الجهات الأمنية في بلادنا خطوة مباركة في الإتجاه الصحيح للقضاء على العمالة السائبة ولخطر بقاء المخالفين لأنظمة العمل… الذين أضروا باقتصادنا الوطني نتيجة للقيام بنشاطات وأعمال غير نظامية ويحول ريعها الى بلدانهم بالمليارات .. بل كشفت الحملة المستور من توظيف مئات الألاف من العمالة بدون إقامات في القطاعين العام والخاص .. وحرموا أبناء الوطن من الكثير من الوظائف وخاصة في الشركات والمصانع والمؤسسات التجارية والتعليمية .
ولكن تداعيات هذه الحملة قد أرخت بظلالها على الكثير من قطاعاتنا ومرافقنا ومياديننا ومنها ما حدث من توقف للعمالة في نظافة الشوارع وتوقف للسائقين في حمل النفايات وأخرين من شفط مياه الصرف الصحي .. وقد أحدث ذلك فعلاً أزمة بيئية حقيقية في مكة المكرمة – بلد الله الحرام – وفي غيرها من مدن مملكتنا الحبيبة .. وهي مشكلة لا يمكن تجاهلها حيث أكوام النفايات بدت في الشوارع والطرقات بصورة مقززة وكذلك أنتشار للروائح الكريهة وهذا يقود الى أنتشار للحشرات والفيروسات وتلوث خطير للبيئة ..
بل أمدت المشكلة لتصل الى داخل أروقة المدارس في مكة المكرمة التي كانت تعتمد على العمالة الرخيصة – غير المرخص لها- وعلى بعض ممن تعينهم إدارات التربية والتعليم من (الفراشين والفراشات) الذين لا يجيدون من عملهم سوى (نقل المعاملات .. وكثيرا من شرب الشاي والقهوة ) !! وعددهم في الغالب من ثلاث الى أربع .. وطبعا مثل هذا العدد حتما لا يكفي للقيام بأعباء النظافة لمدارس بها عشرات الفصول بالإضافة الى الممرات والساحات.. وحتى حينما أستعان مديرو ومديرات المدارس بشركات متخصصة كانت عمالتها – أيضا – غير نظامية للأسف!!
ولكن وبعد ما حدثت الأزمة فإننا لن نقف مكتوفي الأيدي .. بل علينا الكثير من المسؤوليات تجاه تحمل تبعات هذه الأزمة .. فهذا وطننا الغالي هو بيتنا الكبير وهذه مكتنا الحبيبة قبلة المسلمين التي لابد من المحافظة عليها وعلى نظافتها.. فالنظافة هي جزء من شخصيتنا؛ ونظافة المدن هي إحدى دلالات الحضارة والرقي في المجتمع فلنثبت للعالم مدى رقينا وتقدمنا ..
ولنبدأ بالأسرة التي هي أساس المجتمع ؛ فالاتكالية على الخدم خلال عقودٍ من الزمن قدم لنا أجيالاً لا تستطيع تحمل أي مسؤولية .. فحتى كوب الماء تحضره الخادمة للأبناء !! إذن لابد لنا من وقفات نقول فيها : (كفى) .. كفى اعتمادا على الغير.. كفى استغلالنا وتحويل أموالنا للخارج .. كفى ترهل جسدي وسمنة جراء الكسل وعدم العمل .. كفى إنفاقا للأموال في النوادي الصحية وأدوية التخسيس .. !! لماذا المجتمعات الخليجية – من دون شعوب الأرض تعتمد على العمالة في شؤون الأسرة .. فحتى بل جيتس – أغنى رجل في العالم- ليس لديه سوى شخصين يقومان بتدبير أمور منزله !! بينما نحن – أبناء الطبقة الوسطى في المجتمع- لدينا أكثر من عامل أو عاملة منزلية..!!
أما الأن وقد جاءت الفرصة لتصحيح الوضع ؛ فلا عمالة بدون تصريح ولا سائبة في البيوت والمدارس والأسواق والمحلات التجارية .. ولنقف وقفة رجل واحد لنثبت للعالم بأننا شعب راقٍ ونشط .. ولن نرضخ للعمالة النظامية التي توقفت عن العمل احتجاجا على ترحيل بني جلدتهم من غير النظاميين .. لابد ان يقوم كل فرد بتحمل مسؤوليته ؛ فنظافة المدارس والجامعات تكون على طلابها وطالباتها بالمحافظة على نظافتها وعدم رمي المخلفات .. ثم لابد من تشكيل فرق عمل ميدانية من قبل شؤون الطلاب والطالبات في التعليم العام والجامعي .. و يكون هناك تنسيق في الأمانات مع المجالس البلدية وعمد الأحياء ورجال الأعمال لمساعدة الشباب للقيام بأعمال تطوعية لنظافة المدن على غرار ما قام به أمين المدينة المنورة د. / خالد بن هادي طاهر ومسؤولي الأمانة ، يساعده في ذلك مدير عام التربية والتعليم بمنطقة المدينة المنورة د/ ناصر عبدالله الكريم في بادرة وطنية رائعة لنظافة المنطقة المركزية في المدينة المنورة ولتعزيز الشراكة المجتمعية وهي لفتة تربوية لتعليم الأبناء كيفية الولاء للوطن .. بل أنها رسالة عظيمة لكل التربويين في وطننا الغالي بتحمل مسؤوليتهم الوطنية والتربوية والاجتماعية ليكونوا قدوة صالحة للنشء ونحقق قيم الاسلام الخالدة التي تحث على النظافة ..
إنها أزمة .. بل اختبار لنا لقياس مدى ولاؤنا وحُبنا للوطن .. فهل ننجح في اختبار النظافة من الإيمان ؟؟