يقول معاوية بن الحكم رضي الله عنه عندما تكلم في الصلاة وكان حديث عهد بإسلام: “والله ما رأيت معلما مثل النبي صلى الله عليه وسلم! فوالله ما كهرني ولا نهرني ؛ ولكن قال لي: ((إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي الذكر والتسبيح)) . تأمل في الأسلوب القيمي الراقي في التوجيه …
يذكر أنه في مباراة رياضية جرت بين المنتخب الياباني ومنتخب إحدى الدول العربية كانت نتيجة المباراة لصالح المنتخب العربي، وهزم المنتخب الياباني!
وفي صيد ورصد ذكي للكاميرات بعد خروج الجماهير تتوجه عدساتها نحو المدرجات، فإذا بمدرجات الجمهور المشجِّع للمنتخب الياباني المهزوم نظيفة كل النظافة كأن لم يكن هناك مشجع، ولا تكاد ترى فيها ورقة أو شيئا يلفت النظر!!
وفي لقطة مماثلة على مدرجات جمهور الفريق العربي ، فإنه من المخجل أن تقارنها بأختها ، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
وباختصار: فإنها تربية المجتمع بالقيم!
ولكن هل نعلم أن عامل النظافة في اليابان هو عامل ياباني مواطن ، وليس بعامل وافد?! إنها القناعة بالقيم!
وهل نعلم أن راتبه قريب من راتب المدير في مدرسة أو مؤسسة؟ وما ذلك إلا لأنهم يعتبرونه أول عنصر في الإصحاح البيئي! وإنه القياس بالقيم!
وهل نعلم أنهم يسمونه عندهم – وهو ليس إلا عامل نظافة – : “مهندس البيئة” دونما نظرة دونية له؟ ألا وإنه الاصطلاح القيمي!
ومعلوم أن الفرد الياباني في مستوى رفاهيته أعلى من أي فرد في العالم ؛ حيث تجد الياباني يغير سيارته كل عام! ولكن لا تجد أحدا منهم يترفع أو يتعالى على أحد من بني جنسه فضلا عن أي إنسان من جنس آخر! إنه التعامل بالقيم!
ولهذا اتفق جميع العقلاء في العالم والمتخصصون في الإدارة أن الإدارة اليابانية هي أفضل إدارة في العالم! والسر في ذلك بلا شك هو الإدارة بالقيم!
حسنا لننقل العدسة الآن إلى شوارع أفضل بقعة على وجه الدنيا هذه الأيام . إنها مكة، مركز الأرض وبؤرة القداسة في قلوب المسلمين!! ومع ذلك فإن الصورة مؤذية للأنفس قبل الأعين ، وغير مرضية لأحد وجبال النفايات تتكدس هنا وهناك في كل مكان!
تساءلت في نفسي سريعا وأنا أتأمل حادثة مفاعل فوكوشيما في 11 مارس 2011م بعد الزلزال الذي ضرب اليابان : كيف استطاع اليابانيون السيطرة على الوضع؟ وكيف استطاع الشعب أن يتأقلم مع الوضع؟
وفي مقابلات تلفزيونية مع اليابانيين بعد إعلان تلوث المياه بدأ التقرير بتعليق المذيع وهو يقول: مازالت الابتسامة هي الابتسامة في وجوههم لم تتغير وكأن شيئا لم يحدث!!
وتساءلت في نفسي: لو حل بالشعب الياباني أزمة النظافة التي حلت بنا ؛ كيف كانوا يتعاملون معها?! هل كانوا يتأففون منها أو كنت تجدهم ينزلون جميعا أعيانهم ووجهاؤهم قبل عوامهم لإصحاح بيئتهم?! هل كانوا يقلبون ظهر المجن على حكومتهم أو كانوا يقفون بجانبها كي تتجاوز أزمتها بسلام?!
ودعونا من هذا إن شئتم ، ولنتحدث عن شيء من القيم والمبادئ الشرعية ، وعن واجبنا تجاه مدينتنا المقدسة : مكة المكرمة?!
أحبتي: أليست هذه مكة، أطهر بقعة على وجه الأرض؟
مكة التي أمر الله بتطهيرها معنويا وحسيا، ولم يأمر الله في كتابه بتطهير بقعة على وجه الأرض غير مكة والحرم!
كان اليهود يقدمون إلى مكة ، فإذا بلغوا حدودها خلعوا نعالهم ومشوا حفاة تعظيما وتطهيرا لمكة!
جعل الله طهارة مكة عهدا سماويا على أهالي مكة وليس بندب وفضل فقط، فهل شعرنا بقول الله تعالى: ((وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود)) ، فجعل الله إبراهيم رمزا للأب المكي وإسماعيل رمزا للابن المكي! وهما يشكلان الأسرة المكية..
فيا أهل مكة: هل ربى الآباء أبناءهم على هذا العهد الرباني السماوي?!
ولا يقل أحدنا : الآية خاصة بالمسجد الحرام، فمكة كلها تأخذ حكم المسجد الحرام، قال تعالى: ((سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى)) . ومعلوم أنه أسري من منزله في مكة ، وعاد بأبي هو وأمي وفراشه مازال دافئا !
بل قال أهل العلم: إن مكة كلها تطهر وتعظم تعظيم الكعبة والبيت، فلذا سمى الله مكة كلها بيتا: ((ثم محلها إلى البيت العتيق)) . ومعلوم أن الهدي ليس محله الكعبة ولكن المقصود به هنا مكة..
وقال تعالى: ((هديا بالغ الكعبة)) ولم يقل أحد من أهل العلم أن الهدي يساق إلى الكعبة .. والمقصود بالكعبة: مكة كلها، وفي الحديث: (ومكة كلها منحر وفجاج منى كلها منحر) .
فيا محبي مكة: والله إنه لشرف وكرامة أن يصبح المسلم مهندسا للبيئة المكية، ويتباهى وهو يرفع القذارة عن أطهر بقعة!!
كم هو شعور جميل عندما رأينا شباب مكة وقد هبوا لتنظيفها حينما أضرب العمال وهم مظلومون بلا شك، وينبغي أن يؤخذ لهم حقهم، ولكن الأجمل أن ندرك قيمتهم أيضا من الناحية الشرفية قبل البيئية!
فالله أعلم كم من عامل نظافة يتقلب في الجنة بغصن شوكة نحاه عن طريق المسلمين!!
ومن العظيم جدا أن ندرك أن طهارة مكة مسؤولية الأمة جمعاء ، وأهلها من باب أولى!!
تأملوا معي في هذا الحديث كيف أمر الله المسلمين في شتى بقاع الأرض بصيانة مكة من القاذورات الطاهرة ، فنهاهم عن البصاق تجاهها، قال عليه الصلاة والسلام: (من بصق تجاه القبلة أتى يوم القيامة وبصاقته بين عينيه) !
وتأملوا معي أيضا كيف نهى الله عن التوجه نحو مكة أثناء قضاء الحاجة : (لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول أو غائط ولكن شرقوا أو غربوا) .
هذا هو ديننا وقيمنا التي ينبغي أن نحيا عليها تجاه مكة! فهل يليق بنا أن نرى هذه المأساة العظيمة في أطهر بقعة وهي تنبعث فيها روائح القاذورات في كل مكان ولا يتحرك فينا ساكن!
والله ما نرضاها لحرمنا في البيوت ، فكيف نرضاها لحرم الله?! لا والله وكلنا نعشق ترابها الطاهر! وهواءها النقي!!
إن كان كل محب شاقه وطن# فحسبي فخرا جيرة الحرم .
اللهم قدرنا على أداء حق هذه البلدة المباركة ، واغفر لنا تقصيرنا تجاهها
وصلى الله على من بعثه الله من مكة هاديا وبشيرا .
[/JUSTIFY]