المحليةالمقالات

فقه الكراهية ..!!

فقه الكراهية ..!!
د. محمد خيري آل مرشد

الشعور بالكراهية والعداوة شعور سلبي تراود صاحبه الأفكار السيئة التي توقد في نفسه نار الحقد وتؤجج الغضب لتثير في داخله نزعات عنفية ، وقد تتطور إلى نزعات جنونية تقود إلى العدوانية والخراب وهذا الإحساس السلبي المتوتر دائما والقلق يفسد الأنفس ويلوث القلوب ويهدم الجمال فيها ؛ بل قد يقوضها ذاتها ويدمرها ، ناهيك عن رغبتها بتدمير المكروه وهي تسعى لذلك.. إنه ذلك الاحساس المرضي الانتقامي البشع الذي يُحرق ذاته لكي يرى خصمه محترقا ..

اتعجب كثيرا لكثير ممن يدعون الإسلام وخاصة أولئك الذين يقفون على منابره وينشرون سمومهم بمختلف الوسائل ، وأصواتهم تصدح ببث الكراهية والحقد ، غير آبهة باستخدام الكذب وتزوير الحقائق لتشويه سمعة مجموعة ما أو مجتمع ما تختلف معها فكريا أو عقائديا أو مذهبيا أوعرقيا أو مصالحيا ؛ بل تحرض على التخلص من هذه المجموعة أوالمجتمعات ، وقد أصبح ذلك علنا في الآونة الأخيرة ، حيث يتم التحريض التعبوي للجماهير على كراهية المختلف لأسباب واهية ومغلوطة ، قد يعرف دعاتها ذلك لكنهم ولمصالحهم يعبئون الرأي العام ويسعون إلى غسيل مخ مدروس للسذج ..

حيث أني لا اتعجب من هؤلاء لأنهم حمقى ، لكن العجب كل العجب لمن يفسح لهم مجالات في منابر الدعوة للكراهية والانتقام ويملئون محطات الاعلام الساذج مثلهم صراخا وضجيجا ، مدعين خوفهم على الأوطان وحرصهم على الأمة وغيرتهم على الدين ، وهم من يقوضون أركان كل ذلك بحقدهم المريض الذي يستعدي كل مختلف عدا فئته ” المصطفاة ” ويلوث صورة البلاد والعباد بقذارة افكاره ..

وهناك من يبث سموم كراهيته وحقده من خلف الحدود ، معطين أنفسهم الحق في الفتوى والتشريع والحكم لاستباحة من يقف أمام مشروعه الجنوني ؛ بل يرون أن مثل هذه الأفكار عملا مشروعا مقدسا يجب العمل على تنفيذه .. ( الحقيقة لا أريد أن أذكر بعض هؤلاء أو المجموعة التي ينتمون إليها هذه المرة لسببين .. الأول كي لا نسلك ذات الطريق ، وإن كان التعريف بمثل هؤلاء أمر ضروري أحيانا لاتخاذ اجراءات الوقاية منهم إلا انه في هذه الحالة الكل مكشوف للكل ، والسبب الثاني أن الظاهرة لا تخلو منها مجموعة وإن كانت النسب متفاوتة وكذلك الأهداف ).

يقف هؤلاء المرضى الحاقدين مستبيحين المنابر بأشكالها التي وفرت لهم ليملئونها جعجعة بنفث سموم أفكارهم الجنونية والعمل على تشويه الاخر ، فينشرون الفيديوات ويملئون وسائل التواصل الاجتماعي حقدا مقيتا ؛ ليؤدي إلى تشويه سلوك متطرف عدواني عنيف يستدعي بالضرورة تشكيل فكر وسلوك عدواني مضاد ..

يستدعي هؤلاء التاريخ بكل تزييفه ويعدون العدة وينظمون المليشيات ويجيشون الجيوش لغزو الآخر واستباحته وقتله وتدميره بل واستئصاله تماما ، بعد أن شبعوا وأٌشٌبعوا من فقه الكراهية ، وذلك لأن قلوبهم سكنها الحقد والبغضاء والكراهية وحتى الجنون .. فلا عجب ما نراه من قتل وإجرام وبؤس باسم العقيدة والدين أو مصالح الأمة وكل ذلك منهم براء..

اتساءل هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصيح بمثل هذه الأصوات النكرة التي تصم الآذان بكل هذا الكم الهائل من الأحاسيس العدوانية والدعوات التدميرية للآخر المختلف وهو رسول المحبة والسلام ! لا أظن ذلك .. لأن الأمر و ” وجادلهم بالتي هي أحسن ” وكذلك ” و ما ارسلناك إلا مبشرا ونذيرا ” لم يقل كارها وباغضا وحاقدا ومحاربا ..

لو عرف هؤلاء البائسون أن الحقد والكراهية مكلفة جدا فهي تستهلك القلوب وتستنفذ طاقات العقول وتنهك الجسوم ، لأنها تقاوم عكس التيار الطبيعي للحياة ، لدربوا أنفسهم على حب الخير للآخرين وطهروا قلوبهم من الكراهية ، فذلك أريح لعقولهم وأجمل لقلوبهم .. نسي هؤلاء أن الاختلاف سنة الحياة بل وجمالها وإرادة الخالق ، وأن الجمال إنما هو بالتنوع لا للون الواحد ، فقال سبحانه وتعالى ” وخلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ” لم يقل لتتعانفوا وتتعاركوا..

لا شك أن بيننا وبين الكثير من الآخرين اختلاف كبير وجوهري عقائدي كان أو مصالحي أو غيره ، وتعليق الاخفاقات والتخلف والضياع على رقبة الآخر أو من يختلف وإلباسه بالدعوة الضالة والافتراء المزيف هو حجة الفاشلين نتيجة ضيق الأفق وقلة العلم وغلبة الهوى وانعدام المبادئ التي نتيجتها فقر فكري وتهور عقائدي أو اجتماعي ..

لكنني أتمنى على مجموعتي التي أنتمي إليها أن تصفي نفسها هي أيضا وتنخل بعض المرضى النفسيين من صفوتها ؛ لتعيدهم إلى المصحات المختصة ولعلاج مطول لترويضها فكريا وعقليا.. وأهيب ببعض اعضائها الذين يسلكون طريقا مشابها بوعي وإدراك ألا تسلك هذا المسلك المخزي والمشين الذي لا يليق بالإنسان المسلم أولا ثم الحضاري ثانيا ، وأن يتم تعريف الكل بضرر أي دعوة لكراهية الآخر وبخطورة ذلك ، وينبغي تدريب اصحاب المنابر أي كانت مكانتهم وبشكل دوري على الدعوة للمحبة والسلام والجمال في المعرفة والوعي وتهذيب الأنفس ..

إن الدفاع عن البلاد والعباد له أوجه أخرى كثيرة ، منها تصفية صورة المجتمعات بممثليها الواعيين المخلصين الذين يحملون رسائل المحبة والسلام ، وينشرون النور من حولهم أينما حلوا ثم إن أي خطر خارجي يصد لتدريب الجيوش المتطورة التي ينبغي أن تقوم بدورها عند الحاجة وعلى الساسة العمل في السياسة لخدمة مصالح الأمة التي أخذوها على عاتقهم ..

من الجميل جدا العمل على تنمية القيم الوجدانية الايجابية واللطيفة عند النشأ خاصة للتعامل مع الآخر المختلف ، وذلك بتنمية الاحساس بالانتماء للآخرين والتعريف بأن آفة كل مجتمع هو بعض رجالاته فيجب أن يستبعد ملوثي القلوب مهترئي العقول ..

جميل احترامي [/JUSTIFY]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى