في هذا العام يتوافق يوم الإثنين مع اليوم الثاني عشر من ربيع الأول (ربيع الأنوار) ، و هو يوم و تاريخ ميلاد رحمة الله للعالمين وسيد المرسلين و إمام المتقين نبينا و سيدنا و حبيبنا محمد عليه أفضل صلاة و أعظم تسليم ..
ففي مثل هذا اليوم ..
وُلد الهدى فالكائنات ضياءُ ** و فم الزمان تبسم و بهاءُ
صلى عليك الله يا علم الهدى ..
صلى عليك الله يا طب القلوب و دوائها و عافية الأبدان و شفائها ..
صلى عليك الله ما هبّت النسائم وما ناحت على الأيك الحمام ..
صلى عليه الله يا حبيبي و قرة عيني يارسول الله ..
يا خير من دُفنت في التُرْب أعظمه ** فطاب من طيبهن القاع و الأكمُ
نفسي الفداء لقبر أنت سـاكنـه ** فيه العفاف و فيه الجود و الكرمُ
صلى الله عليك و سلم ..
في كل حول يحول علينا يتكرر في مثل هذه الأيام تشديد النكير من على منابر الجمعة على الاحتفال بذكرى المولد النبوي و وصفه بالبدعة ، التي هي بالطبع ليست حسنة لدى المنكرين و بالتالي هي ضلالة و كل ضلالة في النار ..
وبالطبع لا يتم التمييز بين طرق الإحتفال و لا بين مخالف و غير مخالف للهدي النبوي ، و يوضع المحتفلون كلهم في خانة التبديع .. و يُلصق بهم تهم متعددة منها اختلاط الرجال بالنساء ، و الرقص ، و اعتقاد حضور روح النبي الكريم صلى الله عليه و سلم وما إلى ذلك ..
الموالد التي تُقام في الحجاز لا تتجاوز قراءة القرآن الكريم و تذاكر الحديث الشريف و إلقاء القصائد في السيرة و الدعاء و المدائح النبوية ، و ليس فيها اختلاط رجال بنساء ولا رقص .. لذلك يدهشني الاستدلال بحديث (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) للتدليل على تحريم الاحتفال بالمولد النبوي بينما كل ما يجري فيه هو مما يقع في دائرة (أمرنا) و ديننا ، فقراءة القرآن و الحديث وحتى القاء القصائد التي تعبر عن الحب للنبي الأعظم صلى الله عليه و سلم هو من الدين ، فما كمل إيمان أحدنا دون أن يكون النبي عليه السلام أحب إليه من نفسه التي بين جنبيه ، و كل الأفعال التي يفعلها المحتفلون بالمولد النبوي هي مما شُرع التقرب به إلى الله سبحانه و تعالى ..
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتفى صوماً بيوم الإثنين على مدار الشهور وليس في شهر ربيع الأنوار فحسب كونه يوماً وُلد فيه إذ عندما سئل عن صيام يوم الإثنين قال : ذاك يوم وُلدت فيه ..كما احتفى بعاشوراء باعتباره اليوم الذي نجّى الله فيه سيدنا موسى عليه السلام من فرعون حينما شرع صيامه وقال نحن أولى بموسى منهم .. فأليس نحن أولى بسيدنا و حبيبنا عليه السلام لنحتفل بما أباحه الله و ندب إليه من القربات في اليوم الذي أذن الله فيه بمولده وهو النعمة المسداة و الرحمة المهداة .. رحمة الله للعالمين ؟
الاحتفال بالمولد النبوي في بلادنا لا يخرج عما شرعه الله و أباحه من الأفعال و الأقوال ، و لذلك فإن الأولى تشجيع الناس على فعله و في الحد الأدنى أن لا ننكر عليهم و هم مقبلون على ربهم و على حبه و حب نبيهم صلى الله عليه و سلم .. ومن لديه ملاحظات أو يرى مخالفات فواجبه النصح و التوجيه بالتي هي أحسن ..
أما نهي الناس عن إتيان القربات المشروعة فهو في رأيي من صد الناس عن سبيل الله و صرفهم عما ينفعهم إلى ما لا ينفعهم و الله أعلم.