فكرة الحارة المكية التي تبنتها أمانة العاصمة و جسدتها (افتراضياً) أثناء إجازة نصف العام في مواقف حجز السيارات ؛ لاقت ترحيباً و إقبالاً من الزوار يدل على الحنين للحارة المكية و مكوناتها و تفاصيلها .. البيوت ، الأسواق ، الهوية العمرانية ، و الثقافية ..
و عندما رأيت صورة بعث بها لي الأستاذ حسن مكاوي صاحب و مؤسس موقع قبلة الدنيا (مكاوي) على شبكة الانترنت وكانت تحاكي سوق المدعى و سقيفته عزمت على زيارة الحارة و اصطحبت العائلة وهي المرة الأولى التي أزور فيها فعالية في مواقف حجز السيارات خلال المهرجانات التي تُقام في الإجازات..
وقد سعدت بما شاهدته و ما سمعته عن مبادرة الأمانة إلى دعم الأسر المنتجة كجزء من مسئوليتها الإجتماعية ، بمنحهم محلات مجاناً لتصريف منتجاتهم و التكسب ..
و ظللت أثناء زياراتي أتأمل تفاصيل الحارة التي عكست على بساطتها بعضاً من التراث و الهوية العمرانية المكية ، و أتفحص تعابير الوجوه التي عكست فرحاً و سروراً بمشاهدة ما تم تجسيده من مكونات البيت المكي و مسمياتها ، مثل المركب و المقعد و بيت الماء .. و أتفكر في مدى إمكانية تحويل هذه الحارة الافتراضية إلى حارة حقيقة ، و أن يتم تطوير بُعد المسئولية الاجتماعية الذي أدته أمانة العاصمة إلى بُعد تنموي مستدام ..
و عندها بدأت أحاول التفكير في إمكانية تحقيق ذلك من خلال مشروع إحياء المدعى الذي تبنته و دعت إليه مبادرة (معاد) لتعزيز الهوية المكية و العناية بالآثار و المعالم التاريخية ، فوجدت أن تبني مشروع إحياء المدعى و تنفيذه سوف يُمكّن لعودة حقيقية للحارة المكية بكل تفاصيلها و مكوناتها الاجتماعية و الاقتصادية و العمرانية ، و و يمكن أن يتم استثمار إحياء لمدعى أيضاً في إعادة توطين التجارة حول المسجد الحرام ، و التي آلت للمتسترين و المتستر عليهم ..
أثناء تجوالي في الحارة المكية (الافتراضية) تذكرت كيف كان تجار مكة يعملون في محلاتهم حول المسجد الحرام ، و تتابعت أسماء الأسر التجارية ، و مشاهدهم وهم في محلاتهم.
و في لقاء في مناسبة الأسبوع الماضي أخذني الدكتور عبدالله ودلي في رحلة بالذاكرة لأحياء مكة القديمة بما فيها المدعى و تفرعهاتها و أزقتها و ما حولها ، زقاق الحجر و زقاق الوزير و مقراة الفاتحة و شارع فيصل و سوق الليل و القشاشية ، و استعرضنا أسماء الأسر التجارية و أصحابها الذين كانوا يعملون في دكاكينهم و تذكرنا منهم آل الزمزمي ، آل بدر ، آل الفارسي ، آل الصيرفي ، آل جستنية ، آل أبو ناصف ، آل سيف الدين وغيرهم ..
وكنا قبلها في اجتماع لأعضاء مبادرة (معاد) نستعرض خريطة جوية عكف على إعدادها الصديق المهندس أنس صالح صرفي وقّع فيها أسماء أصحاب المحلات في شارع فيصل و زقاق الحجر الذي يشغل معظمه الصاغة ..
وتأكد لي بوضوح حجم الضرر الكبير الذي تعرضت له التجارة و التجار في مكة بسبب اختطافها من قبل غيرهم إلى الحد الذي أدى إلى غيابهم تماماً إن لم أقل تنفيرهم و طردهم بفعل تراخ الجهات المعنية بالتجارة و التنمية المستدامة عن حماية حقوق مدينة مكة و أهلها في الانتفاع بما يسوقه الله لهم مع ضيوف الرحمن فذهب جل تلك المنافع إلى غيرهم بسبب تستر تجاري نظامي و غير نظامي ..
تستر (نظامي) يتمثل في الأسماء التجارية العالمية التي غزت محيط الحرم ، فنادق ، مطاعم ، ملابس ، و تستر غير النظامي يتمثل في منح مواطنين (تنابلة) (طفيليون) أسماءهم لعمالة وافدة لممارسة التجارة في كل مجال وهو ما ساهم تدريجياً في طرد تجار مكة حتى أصبح جل المحلات التجارية حول المسجد الحرام بيد عمالة متستر عليها ..
لذلك أرى في تنفيذ فكرة إحياء المدعى فرصة مواتية لإحياء حقيقي -وليس افتراضي- للحارة المكية و لإعادة توطين التجارة حول المسجد الحرام ، و على أمانة العاصمة و أمارة مكة العمل و وزارة العمل مع الغرفة التجارية و مبادرة معاد من أجل وضع مجموعة من المعايير و الضوابط التي تعطي الأولوية لتجار مكة و تمكنّهم من حقوقهم في العمل و التكسُّب كمواطنين ..