وضع نصب عينيه هدفاً عظيماً فعاش عظيماً ومات عظيماً رغم حداثة سنه،لم يسترخص حياته في سبيل الله، ولم يستصغر نفسه وهو يجاهد من أجل إعلاء كلمة الله،ولم يستكبر وهو يبصر الكرامات الإلهية تحيطه وشآبيب رحمته تتنزل عليه.
وعلى هذا النهج العظيم ربَّى معلمنا الأول محمد – صلى الله عليه وسلم – الأطفال والشباب، فغرس فيهم حب الله وتعظيمه منذ نعومة أظفارهم،ولقنهم أصول الحياة ودعاماتها وهم يتقلبون فيها،فها هو جندب بن عبد الله – رضي الله عنه – يقول: ” كنا مع النبي – صلى الله عليه وسلم – ونحن فتيان حزاورة “أي قاربنا البلوغ” فتعلّمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيمانا”(رواه ابن ماجة)،وها هو عبد الله بن عباس – رضي الله عنه – يتلقى منذ صباه تلك الوصية الجامعة المانعة في حسن عبادة الله والتوكل عليه والاستعانة به وهو يسمع النبي المصطفى يفقهه بقوله: ((يا غلام إني أعلمك كلمات؛ احفظ الله يحفظك؛ احفظ الله تجده تُجاهك؛ إذا سألت فاسأل الله؛ وإذا استعنت فاستعن بالله،،،)،ويروي الصحابي الجليل عبدالرحمن بن عوف بطولة معاذ بن عمرو بن الجموح ومُعَوِّذ ابن عفراء في معركة بدر حين اشتدت غيرتهما على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقررا الانتقام له: ” إِنِّي لَفِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ إِذِ الْتَفَتُّ، فَإِذَا عَنْ يَمِينِي وَعَنْ يَسَارِي فَتَيَانِ حَدِيثَا السِّنِّ، فَكَأَنِّي لَمْ آمَنْ بِمَكَانِهِمَا، إِذْ قَالَ لِي أَحَدُهُمَا سِرًّا مِنْ صَاحِبِهِ: يَا عَمُّ، أَرِنِي أَبَا جَهْلٍ؟ فَقُلْتُ: يَابْنَ أَخِي، وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقَالَ: عَاهَدْتُ اللَّهَ – عز وجل – إِنْ رَأَيْتُهُ أَنْ أَقْتُلَهُ، أَوْ أَمُوتَ دُونَهُ،فَقَالَ لِي الآخَرُ سِرًّا مِنْ صَاحِبِهِ مِثْلَهُ، فَمَا سَرَّنِي أَنِّي بَيْنَ رَجُلَيْنِ بِمَكَانِهِمَا، فَأَشَرْتُ لَهُمَا إِلَيْهِ، فَشَدَّا عَلَيْهِ مِثْلَ الصَّقْرَيْنِ حَتَّى ضَرَبَاهُ، وَهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ “،وها هو أسامة بن زيد ابن الخامسة عشر يصول ويجول مع الصحب الكرام في الكثير من الغزوات مدافعا عن دين الله معليا رايته، بل و يحظى بثقة الرسول – صلى الله عليه وسلم – فيعينه قائدا على الجيش الذي سيقاتل الروم ويحرز انتصارا باهرا رغم حداثة سنه،نماذج رائعة يقشر لها البدن وتسمو بها الروح افتخاراً وزهواً أنْ كانت إسلامية، نماذج تجعلك تشعر أن الرجولة لم تكن تنبت من فراغ، بل كانت تُسقى منذ المهد وتُصنع في مصانع خاصة بمواد أولية ذات جودة عالية أساسها الايمان بالله واليقين به وحسن التوكل عليه، مع الجرأة والشجاعة والإحساس بالمسؤولية الجماعية بعيداً عن الأنا والتخاذل،هؤلاء إذن غلمانهم،،فكيف هم غلماننا؟
طفلنا يا سادة يعيش طفولته سنيناً عديدة، وأعواما مديدة، ينمو نمواً بطيئا يساير حالة الخمول التي تعيشها الأمة، طفلنا يعيشُ طفلاً طيلة مراحل تمدرسه وإن جاوز السابعة عشر، فهو في مرحلة الابتدائي ” طفل” وفي مرحلة الإعدادي ” طفل ” وفي مرحلة الثانوي ” طفل”، يظل في العرف الاجتماعي والأسري ذاك الغلام الذي يُخشى عليه من فتك الذئاب، فلا يُقلَّد أية مسؤولية لأنه ” طفل “، ولا يُعهد له بتسيير أبسط الإشكالات لأنه ” طفل ‘، فينشأ عديم الخبرة قليل الحيلة، ويبقى لصيقاً بأهله حتى يشتد عوده، كيف له أن يكون غير ذلك وسمعه اعتاد تلك العبارات المثبطة ” سِيرْ أنْتَ باقي صْغير ” “اسْكُتْ أنت ما كَتَعْرَفْ وَالو “، ولهذا أنشأنا أجيالاً خاوية الوفاض، لا تعِي معنى الإيجابية، ولا تفقه شيئا في المسؤولية، اهتماماتها لا تتعدى حدود الطعام واللباس والمدرسة واللهو،بل حتى إنها لا تملك جرأةً في الخطاب، ولا تستطيع اتخاذ أبسط القرارات في الأمور الحياتية العادية، خنوع واستسلام ولامبالاة نلمسها من خلال احتكاكنا اليومي بهؤلاء الغلمان،من عجز عن قيادة نفسه كيف نأمل يوما أن يقود صحوة تنقذ الأمة من مستنقع الضلال والضياع؟ إن الرجولة ليست هطلا ينزل من السماء، بل هي غرسٌ يُغرس بالأرض منذ الصبا وينبغي أن يُتعهد بالسقي والاهتمام من الأسرة ومن كل الفعاليات بالمجتمع، نحن نشتاق فعلا لجيل يفتخر بدينه ويعيش بقيم سليمة صحيحة ويبني وطنه بناء قويما لا اعوجاج فيه،نشتاق أن نرى تلك العيون الجريئة لا الوقحة، تلك الألسن الذاكرة العابدة لا العابثة في سوق الخنا والخنوع، تلك القلوب النقية المرتبطة بربها لا بسفاسف الأمور.
فالله الله في غلماننا فهم فجرنا الباسم الذي نتوق لمعانقته يوما ما.[/JUSTIFY]