المحليةالمقالات

زوايا النظر

[COLOR=#FF0017]زوايا النظر[/COLOR] د. محمد خيري آل مرشد

[JUSTIFY]بلا أدني شك ان كل رأي يقترب أو يبتعد عن الحقيقة بمقدار نسبة إحاطته بالأمر ووضوح إضاءته ، هكذا تتحدد نسبة صوابه فيطابقها إذا ما صحت رؤيته الشاملة أو يبتعد عنها بمقدار اعوجاجه ، وهكذا تبقى الآراء نسبية في صحتها ، فكل ينطلق عمليا برؤيته من الزاوية الفكرية المتاحة له والتي اكتسبها وشكلها من المادة القيمية والثقافية والاجتماعية والمعرفية ..

لذا تجد أن الناس يختلفون حول أمر يراه أحدهم من زاويته قد لا يراه آخر أوقد تكون مظلما لأخر بشكل تام أو جزئي أو مشوش ، وهذا التباين في الرؤى هو نتاج اختلاف القدرات عند الناس على الفهم والإدراك والذي يعتمد على القدرات العقلية مما اكتسبه من قدرات ومهارات تستقيها من مخزونها من قيم وعلوم ومعرفة ضمن زمن عملية التكوين والتطور العقلي والنفسي والوجداني للإنسان ..

فإذا ما أدرك الانسان اختلاف زوايا النظر للآخرين ، يمكنه هذا من تفهم مواقفهم أولا وكذلك يعطيه القدرة على التأثير فيها وإمكانية نقلهم إلى الزاوية التي ينظر هو منها أو كشف زاويتهم بشكل أوضح ببث مزيدا من ضوء المعرفه فيها ؛ ليروا الأمور قريبا من أو على حقيقتها وقد ينتقل هو ذاته لزاوية أكثر اضاءة من زاويته ، هكذا تذوب كثير من الفوارق والاختلافات وتقترب الرؤى من بعضها ..

المشكل الحقيقي هو عند أولئك الوثوقيين من اصحاب الدوغما الفكرية أو العقائدية الذين يعتقدون بامتلاكهم للحقيقة المطلقة ، ويرون في أي رأي آخر انحراف مطلق وهذا هو الجنون الفكري المطلق ، فالحقائق في التفكير الانساني والرأي البشري نسبية ..

فتباين وجهات النظر وفهم الأمور بشكل مختلف ، هو السبب الأول في جمالية التنوع في الحياة بإعطائها كل تلك الألوان المختلفة الرائعة التي تلفنا ، فلولا هذا الاختلاف لامتهنا نفس المهنة ولأكلنا نفس نوع الطعام ولأحببنا وكرهنا بنفس الطريقة ونفس الحاجات ، وهذا مؤكد أنه مفسد للحياة التي اكتسبت جماليتها من اختلافها ، فاختلاف وجهات النظر من زوايا نظرها المختلفة هو المدخل الأول الى الإبداع ، وذكرنا مرارا أنه فقط في ساحات الاختلاف الفكري تتصادم الأفكار والآراء هناك لتنضج وتصقل ..

إننا جميعنا نستخدم زاويتنا الخاصة للنظر إلى الأمور ونراها من هناك وهذا طبيعي ، إلا أنه ليس طبيعيا إنكار باقي زوايا النظر كما أنه ليس طبيعيا إضفاء صفة الحق المطلق في الصواب والحقيقة .. فقد نرى خطا مستقيما وهو في الحقيقة مثلث أو مربع أو مستطيل ، وقد ترى مستطيلا وهو مجسم ضخم ( جرب أن تنظر إلى بعض الاشكال من زوايا مختلفة) ولكن نظرنا إليه من أحد أوجهه التي تظهر لنا من زاوية نظرنا ، هكذا هي الأمور أيضا ؛ لذا نحن بحاجة لإكمال المشهد أن نرى الأمور من كل الزوايا الأخرى ، وذلك بمشاركة عقول الآخرين وأفكارهم ومهاراتهم من زوايا نظرتهم التي تختلف مواقعها عن موقع زاوية نظرنا و الاستفادة في النظر للأمور من زاوية نظر الآخرين بتوظيف مهاراتهم وقدراتهم ومعارفهم وعلومهم وخبراتهم ، وتلك الاراء المختلفة تكون بمثابة ميزان تصحيح لأي رأي معوج ..

إذن تأكد بأنك اذا ما نظرت إلى أمر ما من زاوية نظرك ، قد لا يكون كذلك في الحقيقة لأنه هناك جوانب أخرى مظلمة من ناحيتك لم تصل إليها بصيرتك فهي غير مرئية بالنسبة لك إنما مرئية للآخرين من زوايا نظرهم هم.. جميل جدا الاجتهاد والنظر إلى الأمور من زوايا مختلفة وكذلك الاستعانة بزوايا نظر الآخرين هكذا تكن الرؤيا أوضح والصورة أكمل وأجمل .. وسع زاوية تفكيرك وبث نور المعرفة فيها ما أمكن فالأفق أمامك مفتوحة على اتساعها ..[/JUSTIFY]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى