يستخدم التلفاز الحواس الأكثر أهمية عند الانسان النظر والسمع ، ويستخدم الصوت والصورة كعوامل مؤثرة فيها وذلك دونما إبداء أي جهد عقلي وذهني أو عضلي عند المتابعة ، وهذا يدفع للجلوس ساعات أمام الشاشات ، وهكذا تسرق حياة الناس بصمت دونما إحساس بذلك , والأخطر أنه تسبب في تشكيل اراء و مواقف تابعه اي تعكس ما يقوله ” مرشدي “التلفاز, ما جعل الكثيرين يحملون “رؤوس تلفزيونية” على أكتافهم تعكس ما يطرحه لهم التلفزيون من وجبات آراء وأفكار ومعلومات وأخبار دون أن يكون لهم أي دور انتقائي وتحليلي في ذلك.. فرؤوسهم لا تفيدهم في الحقيقة إلا خدميا ، أي في التوجه الجغرافي ليس إلا ، حيث أن الإعلام يوجههم حتى فيما يأكلون ويشربون ويلبسون ، ما أنتج ما نسميه بالتفكير التلفزيوني أو الرأي التلفزيوني ..
ناهيك عن مخاطره التي تستهدف الناشئة ومنها استيراد معظم برامج الاطفال التعليمية والترفيهية ، فنحن غير منتجين لها وهكذا يكون التعليم الذاتي للأطفال والشباب مهددا بشكل مباشر ، وما يزيد الطين بلة ارتياح كثير من أولياء الأمور بحجر أبناءهم أمام شاشات التلفاز وعدم خروجهم مع أقرانهم خوفا عليهم من الشارع ، وهو ما يشكل بحد ذاته خطر على تكوين الشخصية الاجتماعية للأطفال فنجدهم يميلون أكثر فاكثر للعزلة.. كما انه يسرق جزء من طفولتهم التي لابد أن يمارسوا فيها شتى أنواع اللعب بما فيها صنع بعض ألعابهم بأيديهم والذي بدوره يساعد على تنمية التفكير عند الاطفال و توسيع خيالهم . والبديل هنا وجود ساحات للعب لا يتعرض فيها الأطفال لخطر الشارع .
وبما أننا لا نستطيع أن نستغني عن التلفاز وأخواته في حياتنا على الأقل الآن ، فقد أصبح التلفاز فردا مهما من تعداد عوائلنا دون أن يكون لنا رأي في ذلك ، وأصبحت برامجه المختلفة” غذاءا “للعقول وبوجبات متكررة وأحيانا مستمرة يوميا ، فيصوم ويفطر عليها الكثيرون .. فما علينا اذن إلا البحث عن آلية تصويب مسار هذه الآلة الإعلامية المؤثرة ، لتكون مصدرا جميلا للأدب والفكر والأخلاق والعلم والمعرفة ، ولتكون أكثر متعة وخاصة عند أولئك الذين يلقون بالكتب عند انتهاء الفصل الدراسي ليشاهدوا التلفاز الذي هو أسهل وأكثر متعة لديهم .فدور وسائل الإعلام وعلى رأسها التلفاز ، يشكل مصدرا ثقافيا و رافد تعليميا هاما, بل أساسيا بما له من تأثير مباشر وقوي على الأفراد , لكن يظل انتقاء القناة والبرنامج الهادف مفيدا بتثقيف أصحاب التفكير التلفزيوني وفي إعادة البوصلة ولو نسبيا..
لا ننكر أن للتلفاز دورا مهما في نقل المعلومة والخبر السريع ، إلا أنه لا يمكن بلع كل ما ينتج عنه على أنه حقيقة مطلقة دون تحليل وتميز .. إن استسقاء المعلومات من التلفاز كمصدر للمعلومة أمرا غير صحيح في العموم ، بل يجب أخذ المعلومة من مصادرها الطبيعية إلا في حال نقلها عن طريق مؤهلين ثقات. وما يخص الخبر قد يكون التلفاز مصدرا للخبر السريع إلا أنه يجب أيضا تحري الأخبار الصحيحة من مصادرها الموثوقة وفلترة كل ما نسمع ونرى معتمدين في ذلك على المعرفة والخبرات السابقة وكذلك معرفة معلومات كافية عن أي دار اعلامية نتابعها ، لأن لكل دار إعلامية أجندتها وسياستها التي تخدم مصالحها الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية ، ويقوم عليها غالبا أناس مؤهلون في التسويق الإعلامي الذي يستهدف شرائح مختلفة من المجتمع لأهداف وأغراض مختلفة أيضا ، فالمتابع الجيد يستطيع تنقيح ما يسمع ويرى ، والخطر إنما هو على أولئك الذين يبلعون أي خبر ومعلومة مصدرها تلفزيوني ، وهكذا يتشكل لديهم تفكير تلفزيوني.. “آمين”..
وأخيرا فإن الميديا ومنها التلفاز بما لها من أثر بالغ على الدين والقيم المجتمعية والايدولوجيا وتفكير الأفراد ومواقفهم بل في تكوين سلوك مجتمعات بأكملها لابد من أن تكون تحت اشراف مباشر من قبل مؤهلين علميا لنشر الثقافة والمعرفة ونقل المعلومة الصحيحة وثقات مشهود لهم بالنزاهة والغيرة على الأوطان والقيم المجتمعية التي تمثل هوية المجتمع..[/JUSTIFY]
جميل احترامي