المحليةالمقالات

وحدة الإنسان والنبات

[COLOR=#FF0800]وحدة الإنسان والنبات [/COLOR] أميمه محمود قزاز

[JUSTIFY]إن القارئ للقرآن الكريم والحديث الشريف يتبين له في عرضهما للعلاقة بين الإنسان والنبات أن الطرفين يرتبطان في وجودهما بوحدة قوية،فالإنسان مثل النبات كائن من كائنات الله عزوجل ،وإن كان الإنسان يتصف بالفردية في نوعه ، إلا أنه يندرج ضمن سائر المكونات البيئية الكثيرة ، ويتحد معها كلها ليشكل مع الجميع نظام البئية المتكامل .
ومن مظاهر تلك الوحدة بين الإنسان والنبات ،والتي يصورها القرآن الكريم والحديث الشريف ويحرصان على إبرازهما في مظاهر عدة، ترجع في معرض تعددها إلى مظهرين أساسيين : وحدة مادية وأخرى ذات طبيعة روحية .

أولاً: الوحدة المادية :
إن الإنسان على ما يبدو عليه من تميز على النبات في الشكل وفي خاصية الإدراك والقدرة على التصرف ،ولكن حينما ينظر إليه من جهة التكوين المادي يتبين أنه يشترك مع النبات فيما يلي :

1- وحدة العناصر :
أصل تكوين النبات والإنسان والذي عبر عنه في القرآن الكريم هو التراب الذي يرمز إلى عناصر المعادن .كما في قوله تعالى : {يَٰأَيُّهَاٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَـٰكُمْ مِّن تُرَابٍ } [سورة الحج : 5 ] .

وثاني عنصر من عناصر التركيب الجامعة بين الإنسان والنبات عنصر الماء كما عبر عنه قوله تعالى : { وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَىْءٍحَىٍّ} [سورة الأنبياء : 30 ] ، وأيضا وحدة العناصر تشمل كيفية تركيب تلك العناصر عن طريق التزاوج كما في قوله تعالى: {سُبْحَـٰنَٱلَّذِى خَلَق ٱلأَزْوَٰجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ } ] سورة يس : 36[ .
ويبلغ البيان القرآني أوجه في الدلالة على الوحدة المادية بين الإنسان والنبات في قوله تعالى : {وَٱللَّهُ أَنبَتَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ نَبَاتاً } ] سورة نوح : 17 [ فالتعبير بالإنبات من الأرض هو تعبير يوحي بأن الإنسان مثل النبات من حيث إن بدأه ونشأه من عناصر الارض.
يقول الرازي:” فالله تعالى أنبت الكل من الأرض لأنه تعالى إنما يخلقنا من النطف، وهي متولدة من الأغذية المتولدة من النبات المتولد من الأرض “.

2- وحدة القانون :
تتمثل هذه الوحدة في النبات والإنسان أن كليهما يخضع لقانون موحد، وذلك سواء في أصل نشوئهما أو أثناء وجودهما ، أو في انتهائهما إلى مصيرهما
والنباتات رمزٌ للكائنات الحية على الأرض تكون في حركة دائبة ،منقلبة في كل لحظة ، دون توقف أي منها ، في نقطة استقرار وثبات ، مهما تكن تلك الحركة ظاهرة للحواس أو خفية عنها :{ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِـيجُ فَـتَرَاهُ مُصْفَـرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَـٰماً} ] سورة الزمر : 21 [، وكذلك الأمر بالنسبة للإنسان فالله تعالى { هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَـبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُـمْ ثُمَّ لِتَكُـونُواْ شُيُوخاً×} ] سورة غافر : 67 [، أنهمايخضع لقانون الحركة والتغير الذي أوجده الله تعالى.
وفي النهاية أيضاً تخضع النباتات والإنسان إلى قانون موحد هو قانون الفناء الذي يأتي عليها جميعـاً ، فلا يبقى منها شيء على ظهر الوجود ، قال تعالى : { كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} ] سورة القصص : 88 [

ثانياً: الوحدة الروحية :
ليست الوحدة التي يثبتها القرآن الكريم بين الإنسان والنبات مقتصرة على الوحدة المادية فقط ، بل هو يتعدى ذلك إلى وحدة بينهما ذات بعد روحي تجعل القارئ يشعركأنما بينهما تقارب من الناحية الوجدانية بحيث تتكون منها وحدة جامعة من الأخوة والمحبة والرأفة والتوافق النفسي .فهذه المعاني كلها يحرص القرآن الكريم على بثها وإبرازها في صلة الإنسان بالنبات .
وتتكون الوحدة الوجدانية من جملة من العناصر لعل من أهمها ما يلي :

1- وحدة الولاء لله :
بين الإنسان والنبات تنشأ وحدة في الخضوع ، فكل منهما خاضع بالعبودية لله تعالى : { إِن كُلُّ مَن فِىٱلسَّمَـٰوَٰتِوَٱلأَرْضِ إِلاَّ ءَاتِى ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً } [سورة مريم : 93 ] وهما يمارسان هذه العبودية فعلاً ويعترفان بها قولاً وحالاً: { وَإِن مِّن شَىْءٍإِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ،} [سورة الإسراء : 44 ] ، { وَٱلنَّجْمُوَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [سورة الرحمن:6 ] فالتسبيح هو الاعتراف بالخضوع لله تعالى ، وإن اختلفت طريقة التعبير عنه بين الإنسان والنبات .

2- وحدة الوجدان :
ولعل من أبرز ما يمثل تلك العاطفة الوجدانية بين الإنسان والنبات،ماجاء في حديث ابن عمر من تشبيه الإنسان المسلم بشجرة النخل في النفع ، حيث قال صل الله عليه وسلم : (( إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها ، وإنها مثل المسلم ، فحدثوني ما هي ، قال ابن عمر رضي الله عنهما : فوقع الناس في شجر البوادي ، ووقـع في نفسي أنها النخلة , فاستحييت ،ثم قالوا : حدثنا ما هي يا رسول الله،قال : هي النخلة )) .فتشبيه الإنسان بالشجرة في البركة والخيرية لمن شأنه أن يوقع في النفس إحساسا بالمحبة والود نحو هذه الشجرة التي ضربت مثلا في العطاء.

وأيضاً من مظاهر وحدة الوجدان ،كما يصورها القرآن الكريم في قوله تعالى : {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ×وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِرُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ” تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً”سِيمَـٰهُمْفِى وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ×ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِىٱلتَّوْرَاةِ× وَمَثَلُهُمْ فِىٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْئهُ فَئآزَرَهُفَـﭑسْتَغْلَظَفَـﭑسْتَوَىٰعَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ، وَعَدَ ٱللَّهُٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} ]سورة الفتح: 29[ .
أن معرفة أن هذه الصفات التي يتصف بها النبي صل الله عليه وسلم ،هي نفس صفات الزرع ،ينشىء في القلوب الرحمة والتعاطف والاحترام لهذا الزرع الذي يحمل نفس صفات الرسول صل الله عليه وسلم.
ومع شجرة اليقطين في قصة سيدنا يونس عليه السلام علاقة وجدانية ، قال تعالى: {وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ}] سورة الصافات : 146 [.

عندما نتخيل كم كانت هذه الشجرة رحيمة ورقيقة بقدرة الله عزوجل على سيدنا يونس عليه السلام حيث كان ضعيفا فأظلته بظلها وآنسته بنموها ،وأعطته من ثمارها التي تسلي القلب الحزين ، كل ذلك يثير في النفس عواطف من الحب والألفة لهذه الشجرة الرقيقة ، ويكفي بها أنها نبات أحبه الرسول صلى الله عليه وسلم ،حتى نحبها . حدثنا عبد الله بن مَسْلَمَة، عن مالك، عن إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة: أنه سمع أنس بن مالك : (( أن خيَّاطاً دعا النبي صل الله عليه وسلم لطعام صنعه، فذهبت مع النبي صل الله عليه وسلم ، فقرَّب خبز شعير، ومرقاً فيه دُبَّاء وقَدِيد، فرأيت النبي صل الله عليه وسلم يتتبع الدُّبَّاء من حوالي القصعة، فلم أزل أحب الدُّبَّاء بعد يومئذ)).

ومن أروع قصص الحب بين النبات والبشر، قصة حنين الجذع شوقا ً إلى الرسول صل الله عليه وسلم ، وبكاه وحزنه على فراقه عليه السلام،حينما جعلوا له منبرا، فصاحت النخلة صياح الصبي، فنزل النبي صل الله عليه وسلم فضمها إليه، تئن أنين الصبي الذي يسكن. قال: (كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها )).
إن تعبير الحديث عن عاطفة وجدانية ، وهي عاطفة المحبة بين الرسول صل الله عليه وسلم وبين جذع النخلة ، يولد إحساس بالحب إلى هذا لجذع والشوق إلى رؤيته في الجنة .

ويتضح مما سبق أن الله عز وجل خلق الإنسان والنبات من نفس المكونـات ( المـاء والتراب ) ، وأن النباتات مثل الإنسان تعرف خالقها وتسبح له،كل ذلك يدل على تفرده سبحانه وأنه ليس كمثله شيء .
كما يدل على أن المسلم علاقته مع النبات، ومع ما يحيط به من مخلوقات علاقة إنسجام ووئام لا علاقة صراع وعداوة وأنه عليه أن يتعامل معها التعامل الصحيح .
وقد تطرقت إلى ذكر هذه الوحدة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، للفت نظر الإنسان إلى النبات بأنه وسيلة تربوية وتعليمية في تكوين الشخصية المتكاملـة من جميع الجوانب ( الإيمانية –العقلية – الخلقية – الجسمية – الجمالية ) ،وهذا ما سنعرفه في المقال القادم بإذن الله.

المراجع :
1- النجار ، عبد المجيد عمر : قضايا البيئة من منظور إسلامي ، ط1 ، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، قطـر ، 1420هـ ، ص153، 156 . بتصرف.
2- الرازي ، فخر الدين محمد : التفسير الكبير ، ج30 ،ص125.
3- البخاري ،محمد بن إسماعيل :صحيح البخاري،كتاب العلم ، باب قول المحدث حدثنا ،حديث رقم(61)
، كتاب الأطعمة، باب: المَرَقِ ، حديث رقم (5120)، كتاب المناقب ، باب: علامات النبوة، رقم الحديث (3391/3392 ).[/JUSTIFY]

—————————

[COLOR=#FF1700]مقالات سابقة[/COLOR] [url]https://www.makkahnews.sa/articles.php?action=show&id=2478[/url]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى