تعاني أسواق الدم في العالم من تذبذب غير مسبوق في الأسعار، حيث ترتفع وتنخفض تبعا للتطورات السياسية والإقتصادية والأوضاع الأمنية وطبيعة الأزمات التي تضرب في بلدان بعينها، وتلك التي تحاول التخلص منها بحلول مؤقتة أو ناجعة، ويشير أحدث تقرير دموي الى إن سعر القنينة الواحدة من دم المواطن الامريكي أو الكندي أو السويدي وبعض بلدان أوربا الشمالية تجاوز الحدود القياسية نتيجة البعد عن المشاكل والأزمات والحروب والإستقرار السياسي والأمني، بينما يعيش الناس في بعض بلدان أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية في ظروف معقدة ومنهم من يتعرض الى إبادة جماعية وبطرق وحشية للغاية سجلتها منظمات دولية مهتمة بهذا الشأن ووثقتها مؤسسات عالمية عدة وأحصت أعدادا مهولة من القتلى والمشردين والجياع والمعاقين والمغتصبين والمغتصبات عدا عن التجنيد الإجباري للأطفال، بينما تنشط جماعات دينية متشددة في مناطق من آسيا وأفريقيا والبلاد العربية وتسبب كوارث بشعة وتقتل وتشرد الملايين من البشر ماادى في النهاية الى ان يصل سعر قنينة الدم الى الصفر، ولايتوفر في الأسواق العالمية من لديه الرغبة بشراء واحدة منها خاصة وإنها متعفنة ولزجة وتتوافر على نسب إشعاع وتلوث خطرة للغاية، ولايمكن إستعمالها حتى للتشويه والتخريب المتعمد.
يكاد العراق البلد الوحيد الذي حافظ على سعر متدني لدمومه، فلم يشهد الدم العراقي إرتفاعا في أسعاره منذ تأسيس الدولة العراقية سنة 1920 دون أن نذهب بعيدا لنرى كميات الدم المسال في العهد العثماني والغابر من عهود سبقت وجود الترك في بلادنا الموبوءة، فقد دخل العراق في حروب جسيمة منذ العشرينيات مع أبنائه من الكورد وظل يقمع بمواطنيه من المكونات الأخرى من طوائف وقوميات، وشهدت فترة السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات والسنوات العشر الأولى بعد من الألفية الثالثة وماتلاها من سنين أربع نعيشها الآن معارك جسيمة وقمعا منظما وإبادة عبر الحرب مع دول الجوار، أو القتل في السجون والإعدامات المنظمة والطمر في البوادي والصحاري، ثم التجويع عن طريق الحصارات المفتعلة بسبب تواجد أنظمة غبية ودكتاتورية وقمعية تشتهي الدم كما تشتهي الغانية مضاجعة الشيطان.
أعدم النظام السابق ملايين العراقيين في حربه مع الكورد، وكان القتلى من العرب والكورد تحت مسمى عراقيين، ثم تبع ذلك بحرب إستنزاف لم نفهم منها شيئا مع إيران تحت شعار محاربة الفرس المجوس، ثم غزو الكويت التي إكتشف النظام إنها من الفرس المجوس أيضا، ثم مع السعودية التي إكتشف إنها من الفرس المجوس أيضا، وقبل ذلك وبعده مع شعبه الذي أعدم منه الملايين تحت شعار محاربة الفرس المجوس، ثم الدخول في معمعة الحصار وإبادة العراقيين وخاصة الأطفال منهم.
سؤالي للساسة الجدد الذين جاؤا بشعار الإنتصاف لدماء العراقيين عبر عقود التضحيات الجسيمة، والذين يحكمون الآن، وفي ظل حكمهم يسقط يوميا العشرات منا، وتسيل دماؤنا على أرصفة الشوارع، ترى ألا يكفي إستثمارا لدم المساكين، وهل من حل في الطريق؟. لست أدري.