بقلم : فاتن إبراهيم محمد حسين
يقول علماء الاجتماع أن أي إنسان يولد في مكان ما في العالم وينشأ عليه.. يتنفس هوائه .. يتغذى من خيراته ..ينطق بلغة أهله .. فإنه ينشأ بين ذلك الشخص والأرض علاقة حب وانتماء حميمة وعجيبة .. بل إن هويته تصبح قسراً تابعة لذلك المجتمع ومهما حاول الآخرون انتزاع تلك الهوية أو إكراهه على تبني هوية أخرى فإن محاولاتهم تبيئ بالفشل . فهو حب يشبه حب الابن لأمه وهذا أيضاً جزء من قيم الدين الإسلامي .. كما قال تعالى: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى، «سورة طه: آية 55»، وقال صلى الله عليه وسلم: «وَتَحَفَّظُوا مِنَ الأَرْضِ فَإِنَّهَا أُمُّكُمْ» (أخرجه الطبراني في معجمه الكبير ).
هذه العلاقة الحميمة التي تنشأ بين الإنسان والأرض تجعله يشعر بالاختناق حينما يبعد عنها …وكثيراً ما يبعد عنها وهو مقيم عليها … ! هذه المشاعر المتدفقة سكنتني بعد مكالمة هاتفية من صديقة مكية – أباً عن جد – ومتزوجة من غير سعودي منذ عقود والتي أخذت تكرر لي معاناتها التي كانت ولا تزال هاجسها الأول في حياتها ..وأخذت تروي لي معاناتها و وأبناؤها بناتها الذين ولدوا وعاشوا على هذه الأرض الطيبة ، ومع ذلك لم يعطوا الجنسية السعودية حتى الآن ‼ معاناة كبيرة لم يشفع لهم فيها حصولهم على شهادات في الطب والهندسة و الصيدلة ومع ذلك باقون مهمشين في المجتمع بمجموعة من الممنوعات منها: الزواج .. السفر للخارج ..والابتعاث.. كما فُرضت عليهم غرامات منها السجن سنة ومبلغ 10000 ريال عشرة ألاف ريال في حالة سفرهم أو زواجهم ..وفي هذا تعطيل لمسيرة حياتهم .. فهؤلاء من حقهم الزواج والإنجاب وتكوين اسر بل من حقهم السفر للخارج سواء لحضور مؤتمرات متنوعة أو للدراسة والابتعاث.. أو حتى للترفيه والسياحة ..
وبالرغم من المميزات الكثيرة التي أعطيت لأبناء السعوديين من أم أجنبية حيث تمنح الأم الأجنبية – للأبناء السعوديين- إقامة دائمة من دون كفيل والسماح لهن بالعمل بالقطاع الخاص مع احتسابهن ضمن نطاق (السعودة) .. مما يعني ضمان الاستقرار لهن ولأبنائهن ومن دون الحاجة للكفيل .إلا أنه وفي المقابل لم يمنح زوج المرأة السعودية هذه الضمانات وكذلك أبناؤها وبقوا على كفالة أمهم التي لو ماتت -لا قدر الله – فمعاناتهم ستكون مضاعفة في البحث عن كفيل آخر..وأشياء أخرى كثيرة .. مما يعني عدم الاستقرار وتشتيت الأسرة .. وهذا كله مع أنهم ولدوا وتربوا وتعلموا .. بل وانصهروا في بوتقة المجتمع وأصبحوا جزء منه .
والصحيح أنه لا بد من المساواة بين حقوق الأم المتزوجة من غير سعودي مع الرجل السعودي المتزوج من أجنبية فمن غير المعقول عدم الاستفادة من هذه الكوادر البشرية وتركها تقاسي معاناة ؛ فهي بين مطرقة الانتماء والهوية وسندان قرارات وأنظمة غير منصفة لهم .. ومع أن هناك أكثر من ( 750ألف سعودية ) متزوجة من غير سعودي وبعض منهم قد جاوز عشرات الأعوام من حسن المعاملة للزوجة وتكوين أسر ناجحة ، ومع ذلك فإن هناك الآلاف من القضايا في الأحوال المدنية والتي تعد ملفات شائكة وعالقة في رفض إعطائهم للجنسية سواء للأب أو للأبناء وتظل الأم السعودية تعاني الأمرين. بل إن بعض الأمهات السعوديات للأسف – وفي ظروف خاصة – قد اضطررن لمغادرة الوطن وترك وظائفهن في سبيل إتاحة الفرصة لأبنائهن في العمل والحياة الكريمة في مجتمع آخر غريب عنهم تماماً ، هذا فضلاً عما تعانيه من مشكلات أخرى متنوعة : في الإقامة ، والكفالة ، والزواج ، والضمان الاجتماعي .. وغيرها .
أظن أنه لابد من إعادة النظر في قضايا المرأة السعودية المتزوجة من أجنبي – أسوة بالرجل السعودي – وأن يكتفي بجنسية والد الأم أن يكون سعودي وليس من الضروري أن يكون حتى جد الأم سعودي.. ففي كثير من الدول المتقدمة ومنها الولايات المتحدة الأمريكية وكندا : أن أي شخص يولد على أرض الدولة يعطى الجنسية فوراً .. والشروط تكون بعد الجنسية وهي: شروط الإقامة ودفع الضرائب وغيرها.. فلماذا لا نمنح الجنسية لهم ؟؟ خاصة لمن هم من الكوادر البشرية المؤهلة للاستفادة من طاقاتهم في دفع عجلة التقدم للوطن…خاصة وهم ممن يملكون الحس الوطني والانتماء وربما أكثر من المواطنين الأصليين الذي أصابتهم لوثة التطرف الفكري والإرهابي . لا نريد أن ننتظر ليوم بكاء الكون على فراقهم، فقد قال تعالى: { فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين } (الدخان الآية 29) نعم يحدث هذا- سبحان الله- فالإنسان إذا فقد مصلاه من الأرض التي هو عليها وكان يصلي فيها ويذكر الله فيها تبكي عليه السماء والأرض و .. . بخلاف الكافر..
لقد آن الأوان لتضع الجهات المختصة في الأحوال المدنية وفي مجلس الشورى.. أنظمة فاعلة لإعطاء هؤلاء حقوقهم في الجنسية في الزواج والصحة والعمل ورفع عبارة ( وافد خاص ) عنهم وإعطاؤهم الحق في (التوكيل عن أمهاتهم) في العمل باعتبارهم أبناء الوطن وسنده في خططه التنموية لمستقبل مشرق وغدٍ واعد بالعطاء .[/JUSTIFY]