الجمال الوافي في “مَشْق” العرّافي
أ. حسن محمد شعيب
لقد كان الصديق الأستاذ إبراهيم علي العرّافي – معلم الخط بالحرم المكي الشريف ومستشار وكيل وزارة الثقافة والإعلام للعلاقات الثقافية الدولية – علامةً بارزة وعلماً ساطعاً ترك بصماته وآثاره في فن الخط العربي بمكة المكرمة وفي المملكة بشكل عام من خلال جهوده الخاصة في تطوير ذاته الفنانة وخدمة فنّه بإخلاص وسعيه نحو نشره ورقيّه في كل مشاركاته المحلية والدولية التي بزّ فيها الأقران وتفرّد بين معاصريه بأصالة وجودةٍ مع التطوير والتحديث .
لم يتوقف طموحه عند حدود ذاته بل توسع نحو طلابه الذين اعتنى بهم وغرس في روحهم حب الجمال قبل ممارسة الفن ، وأشركهم في تذوّقه حتى نالوا المعرفة التامة وأبدعوا فيه ، ليظلوا متصلين بأستاذهم لا تنفصم حبال الوفاء والفضل بينهم ومعلمهم الذي لا يزال يفتح أبوابه لعشّاق الخط العربي وروّاده كباراً وصغاراً .
ولعلّ ذروة تتويج العرّافي كان في كتابه “مِشْق .. ميزان فن الخط العربي” الذي صهر فيه خلاصة فنه مسبوكاً في نماذج للتدريب وأخرى للمحاكاة والاقتداء بأسلوب تعليمي يأخذ بيد المبتدئ ويطوّر من أداء المتقدّم ؛ واضعاً نصْب عينيه صوراً للحرف العربي في أجمل ما تكون رسماً وشكلاً وُفّق الخطاط العرافي فيه أيما توفيق من خلال تعاونه في إخراج كتابه على يد المصمّمة المُبدعة الفنانة “لُجين خوجه” التي بوتقتْ الحروف والعبارات الممشوقة في صفحات ولوحات ناطقة بالإبداع .
يُطالعكَ عنوان الكتاب بخطّه الثلثي الفخم (مِشْق) ولا أدري لماذا كُسِرَتْ الميمُ هنا ؛ فمعاجم اللغة تنطق بالفتح ( مَشْق ) مصدراً للفعل (مَشَق) ، ويعرّفه مجمع اللغة العربية في “معجمه الوسيط” بأنه : نموذجٌ للخط الجيّد يُحاكيه المتعلِّمُ لتحسين خطّه ، وهو ما ينطبق على ميزان فن الخط العربي كما بيّنه المؤلف في العنوان ، أما ( مِشْق ) بكسر الميم فلم يرد بهذا المعنى وإنما يُطلق على الرجل الخفيف اللحم ( المِشْق ) ؛ فالأولى – دلالةً على ميزان الخط – فتحُها لا الكسر .
بدأ الكتاب بمقدمة موجزة جداً عن الخط العربي ، وقد وقع المؤلف فيها بخطأ تاريخي حينما أشار إلى تأسيس مصنع لكسوة الكعبة المشرفة بمكة المكرمة في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز ، والصحيح أن تأسيس ذلك المصنع كان في عهد الملك عبد العزيز آل سعود عام 1346هـ ، إلى جانب أن المقدمة وبقية ما كتب من معلومات بالكتاب غارقٌ في الأخطاء الإملائية والنحوية والطباعية أيضاً ؛ مما يترتّب عليه ضرورة المراجعة والتنقيح حتى يكتمل البيان المعرفي مع الجمال الفني .
ثم بيّن المؤلفُ في الصفحات التالية للمقدمة أهداف الكتاب الذي قسّمه إلى جزء القواعد والموازين : أبرز فيه التعليمات الخاصة بالمتعلمين في تعريفهم بأنواع الخطوط العربية بلمحة تاريخية موجزة عن كل نوع ، والتعريف أيضاً بأنواع الأقلام وطرق إعدادها وبريها وتجهيز المحبرة ، ووضع التشكيلات الحركية لبعض الخطوط ونماذج منها للمؤلف نفسه .. وفي الجزء الآخر من الكتاب : جمع الدروس الخاصة بالخطوط السبعة : الرقعة ، النسخ ، الديواني ، والديواني الجلي ، والفارسي ، والإجازة ، والثلث مع تعليمات كل نوع .
واحتوتْ خاتمةُ الكتاب على الأعمال الفنية للمؤلف الخطاط إبراهيم العرافي في لوحاتٍ مزَجَ في بعضها بين الخط العربي التقليدي والفن التشكيلي بشكل مُبهر يسلبُ اللبّ ويروي عينَ الجمال .
وعلى الرغم من السيرة الذاتية الحافلة بالإنجازات والمشاركات والجوائز والتي أثبتها المؤلف بإحدى صفحات الكتاب باللغتين العربية والإنجليزية ، وأشار فيها إلى تعلمه الخط العربي على عددٍ من الخطاطين الدوليين ؛ إلا أنه لم يذكر ويسمّي أولئك الأساتذة من أهل الفضل الذين أجازوه وأوصلوا سندهم الفني به ، خاصةً والخطاط العرافي معروفٌ بإجازته لطلابه الخطاطين ممن تتلمذ عليه وأجاد في الخط واستحق !
وفي الجملة يعدّ الكتاب إضافةً مهمة في كتب التراث الفني لمكة المكرمة ، وإحدى كراريس الخط العربي الحديثة المميزة لطالب الفن ، وكأني بالعرّافي يعيدُ في إخراجه هذا الكتاب أمجادَ الخط العربي المكي أيّام خطاط مكة ومؤرخها الشيخ محمد طاهر الكردي رحمه الله .
* مِن آخِرِ السّطْر :
يقول الدكتور عفيف البهنسي أستاذ فلسفة الفن العربي الإسلامي :”إن كتابة الخط لا يمكن أن تتم تطبيقاً لقاعدة ، وليس بمقدور فنانٍ مُجوّد أن ينجح في تنفيذ خطٍ جميل ما لم يكنْ خطاطاً بسليقته وعفويّته ، بل إن جميع القواعد والأصول إنما استُقرئتْ نتيجةَ المُمارسة العفوية العبقرية ؛ فأصبحتْ مِقياساً ليس للتطبيق بل للتحقيق من كمال العمل المخطوط” .[/JUSTIFY] [email]Shuaib2002@gmail.com[/email]