* لغة الخطاب بين الأطراف مليئة بالتهم وهذا خلاف الموضوعية والبحث عن الحق..وغير لائق بمن يتحدثون باسم الشريعة..عدا كلام العمري فكان أفضلهم حوار وبيانا..
* أخطر ما في كلام أحمد قاسم أنه يدعو النساء اللواتي يغطين وجوههن للكشف.. وهذا فعل منه لم يسبقه له أحد من العلماء الذين يرون جواز الكشف..فلم يعرف في تأريخ المسلمين أحدا كان يتعبد الله بدعوة النساء لكشف وجوههن..وإنما تراهم يفتون لمن يستفتيهم بكشف الوجه فيفتونهم بالإباحة..
مع أهمية العلم بأنه لم يعرف من العلماء المبيحين لكشف الوجه أنهم فضلوه على تغطيته..بل جميعهم يرون مع قولهم بالإباحة أن التغطية أفضل..لذلك كان الألباني وهو يفتي بالجواز لا يظهر أحد من نساء أهل بيته إلا متغطيات الوجوه..
وكانت دعوة أحمد قاسم للنساء بكشف وجوههن واضحة من خلال مهاجمته للقول بوجوب التغطية..وإظهار أنه قول باطل لا حجة فيه..وأن القائلين به معتدون على الفقه قد غرهم التشدد والتخلف..
ولا شك أن للقول بالكشف وجاهته عندي..وكان كلام أحمد قاسم سيكون مقبولا لو اكتفى بأن هذا اختياره..مع عدم مهاجمة من يرى القول بتغطية الوجه لأن له وجاهته..وأن في مثل هذا الموضوع ملابسات أخرى ينبغي للمسلمة أن تراعيها مثل العرف بينهم والفتوى المشهورة والرسمية في البلد وغير ذلك..
ولو فعل مثل ذلك أحمد قاسم لاختفت كثير من الانتقادات..لأننا اليوم لم نشاهد الحملات على من يفتي بالكشف إلا عليه..فدل على خلل في منهجيته أودت بمهاجمته التي لا أتفق مع كثير منها..
* نسبة أحمد قاسم كشف الوجه لأهل منطقته ولكثير من المناطق صحيح في أصله..لكن المشكلة في الإستدلال به على صحة إخراجه لزوجته متجملة أمام الناس باطل..
فليس هذا فعل الناس في منطقته كما زعم..
بل أدركت كما أدرك الآخرون؛ أن النساء إذا قابلن الأغراب أو نزلن الأسواق يضعن اللثام أو يتغطين كاملا..
لذلك فإخراجه لزوجته أمام الرجال عامة متعمدا يعرضها لهم لم يكن خلقا لأحد في منطقته..فضلا عن نسبة الفعل لأحد من أهل العلم والفضل من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وقتنا هذا..
وقد سألت للتأكد من صحة كلامي وحرصا على الموضوعية كثيرا من كبار السن الذين تجاوزوا السبعين والثمانين من أعمارهم عما تكلم به أحمد قاسم فنفوا هذا الإدعاء نفيا شديدا..
* يستدل أحمد قاسم بأن له سلفا وعلماء معاصرون يقولون بقوله واستشهد بالألباني والددو..وهذا حق اوقعه في الباطل..
فقد كنت أتمنى لو سئل هو ومن يرى رأيه لماذا تتسابق صحفنا والمحطات التي لا تعرف بالحرص على الفضيلة على مقابلته ونشر أقواله ولم يقابلوا الددو وأمثاله من العلماء المحققين الذي يتوافقون معه في نفس الفتيا؟..
مع إن المنطق يقول بأن استفادة هذا الإعلام المأجور من العالم ذي الشعبية أولى لأنه أكثر قبولا بين المسلمين..وأفضل إعلاميا من شخص تحوم حوله تهم كثيرة جدا..والددو كما أظن عند أحمد قاسم فضلا عن غيره أنه أعلم منه بكثير..
الجواب بكل وضوح أن الفائدة من كلام أحمد قاسم لهم أعظم من كلام الددو وغيره..مع أن الأقوال لهما متشابهة..وذلك لأنه يتكلم بالطريقة التي تناسب الإعلام التغريبي في إسقاط قيمة الحجاب بكل صورة..سواء بتغطية الوجه أو بكشفه..
ولو كان أحمد قاسم يملك أدنى درجات الوعي والحكمة لما رضي أن يتحدث مع بدرية البشر وهي سافرة مخالفة للضوابط الشرعية التي كان يشرحها في مقابلته معها ويسمعها وهي تتحدث عن الحجاب بدون احترام وتهاجم الأقوال التي تؤيد تغطية الوجه ثم لا ينكر عليها شيئا من ذلك..بينما هو في الحلقة مع عبدالعزيز قاسم يؤكد أنه لا يرى مشكلة مع من يؤيد تغطية الوجه..ويرى أن لهم الحق بهذا القول..
هذا تناقض حقيقي أرى من المهم التنبه له..
وكان يلزمه لو كان كما يزعم أن ينكر عليها إنكارها على من يفتون بتغطية الوجه..
أما الددو وأمثاله من العلماء المحققين فوعيهم بالمؤامرات من كل أهل الملل والأفكار والأخلاق الفاسدة ضد المسلمين بشكل عام..وقضية المرأة بشكل خاص ستجعلهم مشكلة حين يناقشون الموضوع مع أي منهم..لأنهم سيراعون مقاصد هذه القنوات الخبيثة الواضحة ولن يمكنوهم من مرادهم..وسوف يكون حديثهم متوازنا في المناقشة بين الإباحة وبين فضح مكر المجرمين في الليل والنهار ضد الإسلام..
* الردود التي ظهرت في الحلقة للمفتي واللحيدان تكشف فقر كثير من العلماء لأساليب الرد التي تناسب العصر..وضيقهم بمخالفة أقوالهم لدرجة تخرجهم من اللغة العلمية إلى ما شئت أن تسميه..وهذا من أسباب التنفير عن الدين الحق..
كما تكشف حاجة الأمة لتغيير الخطاب الشرعي بما يناسب وعي الناس وانتشار الشبهات التي تحتاج لخطاب علمي يفهمونه ويقنعهم..فلم يعد مجتمع اليوم كمجتمع السنوات الخمسين السابقة..حين كان ينظر عامة الناس لكلام العالم على أنه الحقيقة التي لا يتجاوزونها..وفي وقت لم يكن يستمعون فيه إلا لقول واحد تدعمه السلطة..
بينما نحن اليوم مع الانفتاح الفضائي الذي زاد من اطلاع الناس على الفتاوى الشرعية المخالفة لما عهدوه..وكانوا يظنون أن كثيرا من المسائل هي محل إجماع عند العلماء..فإذ بها مسائل خلافية عميقة بين علماء المسلمين قديما وحديثا..
بالإضافة إلى أننا بتنا نشاهد للسلطة في كثير من مواقفها تأييدا عكسيا لفتوى تغطية الوجه..فيه تأييد واضح للسفور في عدد من المجالات كالإعلام والمقابلات الرسمية للنساء السعوديات مع قادة الدولة وتعيينهن في مواقع رسمية وهن متبرجات وغير ذلك كثير..
كما نلاحظ أن هناك غض رسمي للطرف عن موضوع التبرج والاختلاط وتنظيماته القديمة..
ومع ذلك لا زالت لغة الخطاب لدى العلماء الكبار نفس اللغة التي كانت تقال في عهد الملك عبدالعزيز..وهذه مصيبة عظيمة..
* ينكر النجيمي والدويش على أحمد قاسم طرحه لهذا الموضوع في هذا التوقيت الذي يرون فيه الخطر الشيعي محدقا ومانعا لهكذا نقاشات..
بينما هم يمارسون تأجيج القضية بأقصى درجاتها..وهذا يبين أن أمثال هؤلاء من الدعاة يعملون على توظيف بعض القضايا لصالح حجتهم وليس قناعة بها كحجة..وهذا من ضعف الحوار وقلة البضاعة فيه..وتأثير طريقتهم تجعل بضاعتهم يزهد فيها كثير من الباحثين عن الحق..ولو كان الحق معهم..
* يطالب أحمد قاسم خصومه بالموضوعية..وهو لم يتمثلها..فحين بدأ الحلقة ادعى أن مما يؤيد استحقاقه لاسم طالب العلم الذي يؤهله لخوض مناقشة
موضوع الحجاب وغيره جلوسه عند ابن باز واستضافته لابن عثيمين وابن جبرين..
وهذا الكلام بكل موضوعية لا يبيح له ولا لغيره أن يدعي أنها تزكية كافية ليكون طالب علم..بل هذا نوع من التدليس المكشوف..
كما أنه ليس كل طالب علم صح فيه هذا الوصف أنه قادر على الخوض في كل مسألة..
والذي ظهر لي أن لغة الخطاب لديه بعيدة عن لغة العالم المتخصص..فهو بذلك يرمي الناس بغير الموضوعية وهي تلازمه كذلك..
*أخيرا..تمنيت من عبدالعزيز قاسم ومن يحاور أحمد قاسم أن يسألوه عن نشاطاته العلمية في محاربة السفور والفساد الخلقي الذي أصبح خطرا مجتمعيا..وجهوده كذلك في محاربة المفسدين لدين الأمة من المنافقين الذين أخبرنا الله بوجودهم في كل عصر..والذين يستخدمون موضوع المرأة وغيره من القضايا المفصلية في هوية الأمة أعظم طريق لتفتيت الأمة..لأن من يحمل هم الغيرة على الأمة ستجده حين يتحدث بمسؤولية صادقة عن هكذا قضية مناقشا لكل الجوانب ذات العلاقة بها..
ولكنك ستجد الجواب محزنا..فلم يعرف لأحمد قاسم في جميع لقاءاته السابقة إلا مهاجمة من يفتون بتغطية الوجه..واتهامهم بالتشدد والانغلاق..وليست له كلمات في جانب الدعوة لمكارم الأخلاق والحث عليها..
وهذا يكشف لكل منصف باحث عن الحقيقة كم يستغل المجرمون من أعدائنا هؤلاء البسطاء من أهل الغفلة..
* في تأريخنا العبرة..
فجبلة بن الأيهم كان كبير الغساسنة وصاحب منزلة كبيرة عند عمر رضي الله عنه بعد أن أسلم فكان يجله..لكنه لما ضرب رجلا مسلما ظلما اقتص منه الفاروق..
فغضب جبلة..وبلغ نصارى الشام خبره فأرسلوا له يدعونه ليكرموه فهم من يعرفون له قدره ومنزلته..فذهب إليهم وارتد عن الإسلام ومات على ذلك..
بينما كعب بن مالك أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فأمر الرسول بهجره حتى زوجته هجرته ولم يبق معه أحد من أهله وأصحابه يكلمه لمدة خمسين يوما في أشد علاج نفسي قد يتعرض له المرء..
فجاءه رسالة من نصارى الشام أن قد علموا بما وقع عليه من الضيق وأنهم مستعدون لأن ينصروه ويوسعوا عليه في دنياه ويكيدوا لمن آذاه..
فقال:هذه من الفتنة..حتى يعلم الله صدق ديني..
فأخذ رسالتهم ورماها في النار..
قارنوا بين الموقفين..وقارنوا واقع أحمد قاسم اليوم..
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا..
ودنيانا التي فيها معاشنا..
وآخرتنا التي فيها معادنا..
واجعلنا من أمة نبيك التي جعلتها وسطا..
وارزقنا الحكمة والفقه في دينك على الشريعة السمحة التي ارتضيتها لنا..