موت الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ـ رحمه الله، ورحيله عن الدنيا الفانية .. لم يكن موت رجل عادي أو حتى قائد عادي .. إنه رحيل أمة … أمة بأكملها .
ولا شك أن الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ـ رحمه الله ـ قائد لا ينسى، قّل الزمان أن يجود بمثله، أحب الناس فأحبوه، أعطاهم كل شيء، ساهم في بناء دولة وبنى شعباً وحضارة ووضع في مقدمة اهتماماته وأولوياته بناء الإنسان، وآمن بأن الاستثمار في الإنسان هو الأنفع والأجدر للبلدان لكي تحقق مكانتها ويكون لها الحضور القوي والمكانة المتميزة بين الشعوب.
لقد عدّد مواطنون في مختلف مناطق السعودية المناقب والمآثر العديدة لباني نهضتها والقائد الفذ المغفور له الملك عبد الله بن عبد العزيز ‘طيب الله ثراه’ ودوره الكبير في بناء الدولة السعودية وترسيخ أركانها وتحقيق كل أسباب الرخاء والرفاهية للمواطنين ، وأعربوا وهم يودعونه، عن ثقتهم في مدى حرص واهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله خير خلف لخير سلف بالحفاظ على تلك المكتسبات والمضي قدماً بمسيرة التنمية والبناء نحو تحقيق المزيد من الإنجازات الحضارية الكبرى التي حققتها دولة السعودية.
إن ما حققه الملك الراحل، خلال حياته الحافلة، تجاوز حدود الزمن والوطن، نظراً لإنجازاته ومساهماته على الصعيد الخيري والإنساني، في ظل ما قدمه من مشاريع ومساعدات سخية للعديد من الدول العربية والإسلامية وسواها. إن حب الملك الراحل، لم يقتصر على أبنائه المواطنين، بل كانت جميع شعوب دول العالم تحبه، حيث قدم الكثير من المشاريع والمساعدات السخية للعديد من الدول العربية والإسلامية والصديقة، التي تتذكر مآثره وعطائه، لتحفر إسمه في ذاكرة الشعوب الأخرى. والأمة العربية لن تنس القيم الأصيلة التي بثها في نفوس الشعب السعودي، والعربي، ومنها المحبة والعطاء والعمل الإنساني، ففي التاريخ الإنساني محطات فارقة وشخصيات قيادية استثنائية تعرف جيداً كيف تدير أحداث التاريخ وتوجّه سياقاته، محققة تحولا فارقاً ونقلة حضارية في زمن قياسي، ويظل الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ـ رحمه الله، علامة فارقة وشخصية متفردة في طبيعتها القيادية … كان قائداً أممياً قلّ أن يجود الزمان بمثله. فكان كانبثاق النور من القمة… وكما انبلاج الفجر من ضلوع الليل البهيم… جاء من صلب شعبه ممتطياً أحلام أمة… وممتشقاً سيف شعبه الأبي… جاء إلى أمة عربية وإسلامية مفجوعة بقادتها… مؤلهة لزعمائها… ومسافات شاسعات تفصل بينها وهؤلاء القادة… فبنى الوطن وغرس القيم… إنه زعيم العرب ـ هكذا يطلق عليه وهكذا عاش حقيقة ـ وأحب زعمائهم قاطبة … إنه القائد العربي / الإسلامي الوحيد بل ربما الأممي كذلك الذي تبكيه شوارع كل المدن في بلاده إذا ما مرض ـ ناهيك عن غيابه منهم والى الأبد.
لم تشهد ساحتنا السياسية العربية، زعيماً أحبته هذه الأمة المفجوعة بقادتها… ولم تعرف رجلا بقامة هذا الملك الوقور.. الملك الذي له لدى كل شعب من شعوب الأمتين العربية والإسلامية يد بيضاء… وله في كل بلد عربي وإسلامي أثر ينطق باسمه ويقف شاهداً على عظمة هذا الرجل الشامخ كما النخيل في بلادي… النقي كما النيل حين يصفو.
فقد كان رحمه الله أول من يقيم الجسور الطائرة لكل شعب عربي أو إسلامي تثور ضده الطبيعة أو تحل به كارثة إلهية… فللرجل أفضال تمتد من طنجة في المغرب وحتى الاسكندرية في شاطئ البحر الأبيض المتوسط في مصر… ومن جنين في فلسطين وحتى القرى النائية في السودان… لا بل من أقاصي أندونيسيا مروراً بكل أوروبا وحتى مجاهل أميركا اللاتينية ودويلات الكاريبي قاطبة… له في بعض هذه البلدان مساجد وواحات… وفي بعضها قرى لا بل مدن بأكملها وبكامل مقوماتها من جرعة الماء وحتى نور الكهرباء. فما حلت بالدول العربية كارثة وإلا وكان هذا الرجل أول من أرسل مساعداته ولوازم الإغاثة بدءا من جرعة الدواء مروراً بالخيام والطعام وليس انتهاءا بالطواقم الطبية وإقامة الجسور الطائرة. إنه الزعيم العربي الوحيد الذي يتكئ على عصاه ـ كما البدوي في صحاري التيه ـ ليغرس شجرة وسط صحراء جرداء… هكذا كان دأبه مع أبناء شعبه كافة… صغيرهم وكبيرهم… وضيعهم ورفيعهم… غنيهم وفقيرهم… وإذا كنت أعمل في الإعلام (مكة الإلكترونية)، فانني أستميح القراء هنا عذراً في عجزي عن إيجاد من الكلمات، ما يسعفني لأواصل الكتابة عن رجل وقائد وزعيم، في زمن قل فيه الزعماء الأفذاذ والقادة الأصلاء والرجال الحقيقيون. تلك مآثر وخصال ومزايا يعرفها كل الذين عاشوا ـ والذين ما زالوا يعيشون ـ على ثرى السعودية… الأرض الطيبة العامرة بالخيرات والمآثر: قائد عظيم وشعب طيب مفضال.
ختامًا
عزاءنا أن من تولي مقاليد البلاد بعد رحيله هو خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ‘حفظه الله’ الذي تشرب بمبادئ وقيم الراحل الملك عبد الله، والذي سيقود السفينة السعودية، مستكملاً مشوار الراحل الملك عبد الله الذي وضع بلادنا على طريق الرقي والتقدم.