المقالات

تداعيات من الذاكرة في وفاة فقيد الوطن

..

قال تعالى (يا أيتها النفس المطمئنة أرجعي إلى ربك راضية مرضية فأدخلي في عبادي وأدخلي جنتي).وقال تعالى (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ).وقال تعالى (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام). وهذه الآيات الكريمة تثبتنا على عظم المصيبة بوفاة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وإنتقاله إلى رحمة الله .فقد كان إنسانا مختلفا قبل أن يكون ملكا عظيما . كان ملك البياض وملك الوضوح وملك الصدق وكانت شمائل الفروسية والشهامة والنقاء متجسدة في شخصيته النقية .وعندما بدأ ذلك الخبر السيء في الإنتشار من خلال الرسائل وعبر وسائل الإتصال والهواتف النقالة تنقل الخبر دون تثبت هربت إلى فراشي في الحادية عشرة ليلا محاولا النوم حتى لا أصدق الخبر ولا أعايشه وحتى أتجنب تلك الرسائل الهائلة العدد والإتصالات من أقارب وأصدقاء التي تستفسر عن الخبر .وفعلا أغلقت الجوالات وأطفئت الأنوار وذهبت محاولا النوم وأنا أعيش الخوف والقلق والحزن في أن لا يكون الخبر صحيحا وأن وطني لازال يريدك أيها النبيل الكريم الناصع البياض النقي السريرة .

أستقيظت من النوم وفتحت التلفاز فإذا القنوات تعلن النبأ وتكرر الخبر وتنعى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله رحمه الله وعن تولى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان مقاليد الحكم والأمير مقرن وليا للعهد فلم أتمالك نفسي وبدأت بالبكاء كالطفل الذي فقد أغلى ماعنده حيث كان الفقيد والدنا وحبيبنا وفارسنا الرجل الذي لامس شغاف القلوب وتعمق في حنايا المشاعر وتربع في جوانب الوجدان وعمل لأجلنا بكل صدق ووضوح وعدالة .وبعد أن فتحت الجوالات وجدت أتصالات من عدة قنوات كان منها قناة الإخبارية السعودية للتعليق على النبأ وبدأت في الحديث على الهواء مباشرة وأنا مابين مصدق ومكذب وعددت مناقب الملك الفارس وكان ذلك قبل الفجر بقليل وكنا مع المذيع وضيفه في حالة من التأثر والإلم والحزن .وخرجت لصلاة الفجر فكان الوضع هادئا ونسمات فجر الجمعة يحمل الأمن والسلام في مدينتي الجميلة .وبعد الصلاة رجعت بالذاكرة إلى عام 1401 عندما تخرجت من الجامعة وذهبت لديوان الخدمة المدنية كما نفعل كخريجين آنذاك ووجدت نفسي موجها إلى رئاسة الحرس الوطني التي يتولى رئاستها خادم الحرمين الشريفين رحمه الله في وقت حكم الملك خالد رحمه الله .وكان نشاطي الصحفي في جريدة الرياض الذي بدأته وأنا في آخر سنة في الثانوية العامة كمتعاون بوابة الدخول للحرس الوطني في العمل الإضافي بالإضافة لعملي الرسمي كنشاط مع المسئولين في الحرس الوطني وعلى رأسهم الأمير بدر بن عبد العزيز والأمير متعب بن عبدالله والشيخ عبدالعزيز بن عبد المحسن التويجري والأستاذ محمد أبوساق والأستاذ عبدالعزيز العلي التويجري والأستاذ عبدالرحمن أبوحيمد والأستاذ محمد الركبان والأستاذ ناصر العمير والدكتور عبدالرحمن السبيت والأستاذ عبدالرحمن الشثري واللواء عيسى الرشيد والدكتور سليمان الزهير والدكتور علي القاسم والأستاذ عبدالهادي الوادي والدكتور عبدالعزيز الشعيل والعقيد عبدالعزيز الشلهوب وغيرهم كثير .لكن كان الفارس الملك عبدالله بن عبدالعزيز هو الرجل العملي القائد المتواضع حيث يستقبل الجميع كل أربعاء من منسوبي الحرس أو المواطنين . وكانت خطوات البناء قائمة من مدارس ومستشفيات ومساكن وأنظمة تدريب وأبتعاث وتأهيل وتدريب وتسليح . وشرفت بأن أكون من أوائل مبتعثي كلية الملك خالد العسكرية الذين أبتعثوا إلى مختلف الجامعات وفي تنوع التخصصات العلمية إضافة إلى المبتعثين في مجالات الطب والهندسة والإدارة وغيرها حيث أصبحت مستشفيات ومساكن ومباني الحرس الوطني هي الأكثر تميزا مستوى وتجهيزات .كما كان المهرجان الوطني للتراث والثقافة الذي عملت في بعض لجانه عملا حضاريا فكريا تراثيا جمع مفكري العالم وأستقطب الجماهير لمشاهدته والإستمتاع بفعالياته .وبقيت صورتين تشرفت بألتقاطهما مع هذا الرجل العظيم الأولى بالأسود والأبيض قبل 34 عاما كأحد المكرمين في إحدى مناسبات الحرس الوطني والثانية قبل عشر سنوات بعد فوز برنامج دعوة للحوار بالجائزة الذهبية لمهرجان القاهرة الخامس للإذاعة والتلفزيون.وهي تجربة أستمرت 18 عاما في الحرس الوطني.

[CENTER](التربية والتعليم)[/CENTER]

كان ملك البياض والنقاء والصفاء مهتما بالتربية والتعليم وأهمية ذلك لبناء الأمم ولهذا بدأ واضحا من خلال أهتمامه بالتعليم والتدريب والإبتعاث لمنسوبي الحرس الوطني وكان مباشرا في تعليماته لمنسوبي وزارة التربية في اللقاءات التي كان يعقدها سنويا معهم وتشرفت بحضورها خلال عملي في الوزارة ثم دشن مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم الذي يشمل تطوير وتدريب المعلم وتطوير المناهج والإرتقاء بالبيئة المدرسية من مباني وتجهيزات كما توج ذلك بمشروع الإبتعاث الضخم إلى مختلف الجامعات العالمية والدول المتقدمة كما أنشأ جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية لتكون جامعة متخصصة عالمية في هذا المجال وإحداث جامعات جديدة ومباني ضخمة منها أكبر جامعة بنات في العالم جامعة الأميرة نورة.

[CENTER](محاربة الإرهاب)[/CENTER]

كان ملك البياض والوضوح والرجل الذي يحارب التلون والخداع والخبث حازما في محاربة الإرهاب و كسر شوكة الخوارج ومحاربتهم فكريا وأمنيا ونظاميا وكانت كلمته الشهيرة عندما كان وليا للعهد عقب تفجيرات الحمراء في الرياض رسالة قوية أكد على تصميم المملكة على محاربة الإرهاب بكل حزم وتصميم وهذا ماحدث إذ تميز عهده بالقوة ودعم القطاعات الأمنية وإتخاذ أساليب حضارية عبر إشاعة مبدأ الحوار بإنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ومركز الحوار العالمي وحوار الحضارات وإقامة المؤتمر العالمي للإرهاب والمركز الدولي للإرهاب مما جعل المملكة تحارب الإرهاب نيابة عن العالم .

إن الحديث عن ملك البياض يطول لكن إنجازاته في المجال القضائي والأكاديمي والصحي والتربوي والإجتماعي والبحثي والثقافي متعددة وشاملة لكن عنايته بالحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة والتوجيه بدفع عشرات المليارات لمشاريع ضخمة كانت حاضرة في وجدانه لحرصه على العقيدة الإسلامية ونشر دعوة التوحيد فوصلت رسالة الإسلام عبر الفضائيات وصلاة الجمعة المترجمة ومناسك الحج والعمرة إلى جميع أنحاء المعمورة فتوسعت رسالة الإسلام ووصلت الدعوة إلى دول وبشر في كل مكان .

وبحمدالله واصلت الدولة السعودية مسيرتها عبر 300عام منذ ميثاق الدرعية بين الإمامين محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب رحمهما الله في الدولة السعودية الأولى .ثم الوحدة الحديثة التي أعان الله عز وجل الملك عبدالعزيز رحمه الله ليقيم هذه الدولة الحضارية المتقدمة في التعليم والعمران والتنمية لتصبح ضمن الدول العشرين الأقوى أقتصادا في العالم .وبحمدالله جاء الإنتقال الطبيعي للحكم من ملك البياض إلى ملك الوفاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ليمثل رسالة واضحة بالتماسك السعودي بين القادة والشعب وتمثل بمئات الآلاف الذين توافدوا على قصر الحكم والديوان الملكي وأمارات المناطق والمحافظات للبيعة والإستمرار بمسيرة الأمن والإستقرار حيث الملك القريب من المواطنين من علماء وقضاة ومفكرين ومثقفين ودعاة وإعلاميين المنضبط في وقته العامل بجد وإجتهاد الناذر وقته للعمل الخيري والإنساني في مجال حفظ القرآن الكريم والمعاقين والإيتام وزراعة الكلى والتعليم الجامعي وتربية أبنائه على هذه القيم النبيلة .وكان ملك الوفاء نعم الوفي مع أخوته الملوك ومع أخوانه الأمراء باذلا جهده ووقته وعمله لهم كما كان وفيا مع المواطنين يعرف قبائلهم وأسرهم ووالديهم ويثني على الخادمين بإخلاص منهم ويقدر عطائهم . كما تم تولية الأمير مقرن بن عبدالعزيز ولاية العهد كأمير تقني إداري مولع بالعلم والفلك والبحث في الطبيعة والثقافة الشمولية حيث أكتسب من الطيران الدقة والإنضباط والشجاعة والإقدام ووضوح الهدف وتحديده مع حسن الخلق والتواضع والإبتسامة وإحترام الناس .كما تم إختيار الأمير محمد بن نايف وليا لولي العهد نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراءوالذي حظي بموافقة هيئة البيعة وقبول ورضى مختلف فئات المجتمع من علماء وقضاة ومثقفين ورجال أعمال كون سموه عرف بالجدية والنزاهة ووضع مصلحة الوطن فوق كل إعتبار وتكوين خط أحمر ضد أي مصلحة خاصة أو تجاوز .وكان نجاحه باهرا في محاربة الإرهاب بحزم وعقل حيث الإسلوب الإنساني الحكيم مع الشجاعة والقوة بعد تطوير آليات التدريب والتسليح لكافة القطاعات الآمنية من قوات الأمن الخاصة والأمن العام والدفاع المدني وحرس الحدود والجوزات مع حرص على إستخدام التقنية حتى أصبحت أعمال وزارة الداخلية مضرب المثل في العمل الإكتروني المميز .وهو إلى جانب ذلك يعمل بصمت وصبر وساعات طوال من أجل خدمة الصالح العام مع مقابلة المراجعين بعدالة وشفافية ووضع الإجراءات والإنظمة الواضحة لمحاربة الإستثنائات والمصالح الخاصة .كما جاء الدفع بالأمير الشاب محمد بن سلمان ليكون وزيرا للدفاع رئيسا للديوان الملكي ومستشارا خاصا بعد أن أثبت نجابة ودقة وحرصا وأنضباطا في العمل وتطوير أساليب عمل ديوان ولي العهد بإستخدام التقنية وبرمجة الإجراءات وتحديث منهجية الإتصالات ليكون العمل منظما إحترافيا متقدما .كما أنها رسالة من الملك سلمان بالإهتمام بالشباب الذين يمثلون مانسبته 83بالمئة إقل من 39 سنة في العمر للمجتمع السعودي ,فجاءات أعمال مركز الإمير سلمان للشباب ومشاركة الملك شخصيا في وسائل التواصل الإجتماعي لتكون الرسالة واضحة لكل مسئول بالمشاركة في وسائل التواصل الإجتماعي .

توفي ملك البياض رحمه الله الواضح المبتسم الصادق الناصع الذي لا يعرف الإبتسامات الصفراء ويعامل الناس بأبوة وتسامح ولا يحمل في قلبه غلا أو حقدا منهجه التأكد مما يصله من معلومات عن أشخاص أو أجهزة بسؤال الناس والسماع منهم مباشرة وفتح المجال لهم لتوضيح وجهة نظرهم حتى لوكان بكلام على ألسنتهم فربما لديهم ما يقولونه ويوضحونه .وكان أكبر من الخلافات وأكبر من العداوات نقيا بهيا صافيا جميلا مبتسما أحبه الناس من قلوبهم وزفوه في ليلة وفاته إلى المنزل الأجمل في الجنة بإذن الله لأن لديه كاريزما عظيمة في التسامح والوفاء والعطاء والكرم والنبل فإلى جنة الخلد يا حبيبنا عبدالله وإنا لله وإنا إليه راجعون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى